د. عمر شعبان يتعين اتخاذ إجراءات صارمة من أجل احتواء الفيروس، وإلا فإن قطاع غزة سوف يعاني عواقب كارثية لم يعرف مثيلاً لها من قبل بينما كانت البشرية تحتفل ببداية عقد جديد، إذا بحدث نادر يقع مرة كل 100 سنة يأخذ العالم على حين غرة: إنتشار وباء عالمي اسمه «كوفيد - 19» ( كورونا ). أخذت حكومات العالم تجاهد لمكافحة الفيروس، فاتخذت إجراءات قصوى لاحتوائه، شملت فرض حظر تجول على أكثر من مليار إنسان. في البداية، شعر الفلسطينيون باطمئنان، إذ اعتقدوا أن الفيروس لن يطالهم أبداً، خصوصاً في غزة - حيث يعيش مليونا إنسان تحت حصار خانق منذ أكثر من عقد. ولكن للأسف، تحققت أسوأ مخاوفهم مع اكتشاف العديد من حالات العدوى في قطاع غزة والضفة الغربية. ومنذ 2012، كانت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الأونروا ) قد حذرت من أن قطاع غزة سوف يصبح غير قابل للسكن بحلول عام 2020، إذ إن سنوات من حصار مهلك وسلسلة عمليات عسكرية أشاعت الموت والبؤس والفقر في القطاع، وعطلت الاقتصاد، ورفعت معدل البطالة بين الشبان إلى 75 %. وفي الوقت الراهن، أصبح نظام الرعاية الصحية في قطاع غزة متهالكاً، حيث يفتقر لمواد أساسية، وتجهيزات ومواد لا غنى عنها من أجل مكافحة الوباء، بل حتى من أجل العلاجات اليومية للمرضى. وتفشي وباء «كورونا» في قطاع غزة ستكون له عواقب كارثية، ومن الممكن أن يتسبب بخسائر في الأرواح أكبر من خسائر جميع المعارك العسكرية السابقة. وفي 26 مارس/آذار الماضي، أعلنت الأمم المتحدة أنها ستعمل لتسهيل تسليم مستشفيات غزة ما مجموعه 1200 جهاز اختبار لمساعدتها على مكافحة الوباء. ولكن سلطات قطاع غزة لم تلبث أن فرضت حجراً إلزامياً على العديد من المناطق والمراكز، بما فيها مدارس، وفنادق ومراكز رعاية صحية. وفي الوقت الراهن، هناك عدة آلاف من الأشخاص ملزمون بالبقاء في منازلهم. وفي قطاع غزة، يتوفر للشخص الواحد 0.18 متر مربع في المتوسط كحيز شخصي. وهذا يعني أن شخصا واحدا يصاب بالعدوى يمكن أن ينقل المرض إلى كثيرين من أفراد عائلته وجيرانه - خصوصا وأن البيوت في القطاع متلاصقة، وأن معظم السكان يعيشون كأفراد عائلة كبيرة تضم 20 شخصاً أو أكثر. ولهذه الأسباب، يتعين اتخاذ إجراءات صارمة من أجل احتواء الفيروس، وإلا فإن قطاع غزة سوف يعاني عواقب كارثية لم يعرف مثيلاً لها من قبل. وعندما بدأت تنتشر أنباء إصابات مؤكدة في القطاع، بدأ الغزيون يتخذون إجراءات احتياطية من أجل حماية أنفسهم وعائلاتهم من العدوى. ولكن بسبب الافتقار إلى تجهيزات وموارد كافية، لم يجد الغزيون سوى طريقة واحدة للتعامل مع ما يعانونه من ضغط نفسي: التهكم والتراجيديا الكوميدية. وعبر «فيسبوك» و «تويتر»، سخروا من التعليمات لهم بعدم التنقل - في وقت هم يعيشون أصلا تحت حصار منذ أكثر من عقد. وتساءل كثيرون منهم كيف سيؤمنون الغذاء لأطفالهم وسط اقتصاد مريض وحركة تجارية شبه مشلولة حتى منذ ما قبل تفشي الوباء. وفي قطاع غزة، تزيد نسبة البطالة بين السكان على 50 %، وترتفع إلى 75 % بين الشبان. ومع تفشي الوباء، شاع اليأس بين آلاف العمال في مختلف القطاعات. وفي حال تفشي وباء «كورونا» على نطاق واسع في قطاع غزة، فإن الأرقام ستقدم صورة قاتمة: فطبقاً لمكتب منظمة الصحة العالمية في غزة، لا يوجد في القطاع سوى 62 جهاز تهوية - أي أقل بكثير مما تدعو إليه الحاجة في زمن الوباء. وهناك مستشفيات قليلة جداً متوفرة حالياً في مجمل قطاع غزة لما مجموعه أكثر من مليونين من السكان وفي الوقت الراهن، تتوفر في مجمل قطاع غزة 60 وحدة عناية مركزة فقط - منها 40 مشغولة حاليا. وأخيرا وليس آخرا، لا تتوفر حاليا لمستشفيات غزة الموارد المالية اللازمة لتوفير ما يكفي من تجهيزات وأدوات أساسية، مثل أقنعة الوجه. باختصار، سيكون تفشي الوباء في قطاع غزة على نطاق مماثل لما هي الحال عليها في الصين أو أوروبا أو الولايات المتحدة بمثابة حكم بالإعدام على سكان القطاع. * محلل سياسي واقتصادي بارز في غزة - موقع «كاونتر بانش»
مشاركة :