أكد رئيس قسم الموارد الطبيعية والبيئة بكلية الدراسات العليا بجامعة الخليج العربي الأستاذ الدكتور محمد سليمان عبيدو أهمية تحقيق مفهوم الأمن الغذائي من خلال النظم الزراعية المستدامة التي تعتمد معظمها على التربة السليمة القابلة للعطاء، داعيا إلى المحافظة على التربة المعطاء والتعاطي معها على أنها نظام بيئي متكامل يعج بالحياة قابل للاستمرار في حدود مقدرته البيولوجية التي تشكل أساسا لمقدرته الايكولوجية وتضع حدود وعتبات لمدى هذا التحمل. وقال بمناسبة إحياء اليوم العالمي لمكافحة التصحر الذي يصادف 17 يونيو من كل عام، أن التربة نظام بيئي حي وليست مستودعا للكيمياويات الزراعية والنفايات إذ يستجيب هذا النظام الى المؤثرات الخارجية كافة، والمحافظة على سلامة هذا النظام أساس لتوفير البيئة الملائمة للانتاج الزراعي المتمثل بالمحاصيل الحقلية والعلفية والبستانية على اختلاف أنواعها، موضحا أن الترب الصحراوية في دول مجلس التعاون الخليجي جلها رملية مفككة ذات بيئة هشة، وأن مدى تحملها للمؤثرات الخارجية ضعيفا نتيجة طبيعتها والمناخ السائد. هذا، ويحيي العالم اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف تحت شعار تحقيق الأمن الغذائي من خلال النظم الغذائية المستدامة، إذ يهدد التصحر وتدهور الأراضي الأمن الغذائي والاستقرار والسلام، ويعرف التصحر بتردي الأراضي في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والمناطق الجافة وشبه الرطبة نتيجة عوامل شتى من بينها تغير المناخ والأنشطة البشرية إن هذه الظاهرة قد ألحقت أضرارا كبيرة على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لكثير من شعوب العالم. وأشار الدكتور عبيدو إلى أن جامعة الخليج العربي بدأت من خلال مركز السلطان قابوس للاستزراع الصحراوي بإدخال تقنيات الزراعة بدون تربة منذ العام 2002، ولا زالت تعمل على تحسين هذه التقنية من خلال ضبط مدخلاتها ومخرجاتها بما يتوافق والمناخ السائد في دول المنطقة لتأخذ الريادة في هذه التقنيات التي تعد نمطا من أنماط الزراعة الذكية. وألمح إلى أن اتباع نهج انتاج زراعي أو رعوي يجب أن يأخذ بالاعتبار هشاشة هذه النظم من خلال تبني اسلوب انتاج يتلائم وطبيعتها، مشيرا أن التكثيف الزراعي في هذه الأراضي بات خطرا عليها وزاد من درجة تصحرها؛ لافتا إلى أن الحمولات الرعوية الكبيرة التي استنزفت غطائها النباتي وأدت إلى تراجع أنواعه ورص تربته أو بعثرة حبيباتها لتتجلى مظاهر التدهور بموجات الغبار وزحف الرمال وتشكل السيول، وغزو الأنواع الدخيلة التي غدت خطرا على أراض في مناطق زراعية مهمة. وأضاف: "لقد بات التحول نحو نظم الانتاج الزراعي الذكية وتوسيع نطاق الممارسات الزراعية الجيدة والتكيف مع تغير المناخ ضرورة حتمية في ضوء الازدياد المضطرد في أعداد السكان وشح المياه وتراجع الرقعة الزراعية، وأن التوسع في الرقعة الخضراء حول المدن وبداخلها من خلال زراعة الاشجار المتأقلمة مع المناخ الصحراوي بالاستفادة من مياه الصرف الصحي يعد مدخلا مهما نحو المحافظة على البيئات الزراعية من واحات وسهول كما المحافظة على تلطيف وتنقية هواء المدن". وعبر عن قلقه إزاء نسبة العمالة الزراعية الآخذة في التراجع المستمر، و سيادة النظم التقليدية في الإنتاج الزراعي والسمكي والتدني النسبي للانتاجية الذي يعكس التكنولوجيات القديمة المستخدمة في الانتاج من حيث مدخلاته وأساليبه، إذ يقول: "كل تلك العوامل تدفع بالسير قدماً نحو التحول في نمط الانتاج والاستهلاك والسعي نحو ممارسات زراعية صديقة للبيئة بمدخلات خضراء تضمن مستقبل أجيال الحاضر والمستقبل، وتتجلى أهمية التحول إلى النظم الزراعية المستدامة من خلال الاحصاءات المثيرة للقلق الواردة في تقرير أوضاع الأمن الغذائي العربي الصادر عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية قبل عامين؛ حيث يشير التقرير إلى التعداد السكاني المتزايد الذي ناهز 371 مليون نسمة وبمعدلات تزايد تقدر بضعف المتوسط العالمي؛ فضلاً عن محدودية المساحة المزروعة التي تشكل حوالي % 5.1 من مساحته الكلية البالغة 1344 مليون هكتار، والتي تعتمد في معظمها على الأمطار. وأشار إلى ان المساحة المروية في البلاد العربية لا تتجاوز % 21.5 من إجمالي المساحة المزروعة، في الوقت الذي تشير فيه احصاءات الموارد المائية إلى أن إجمالي موارد المياه بالدول العربية يقدر بحوالي 257.5 مليار متر مكعب، منها %14.1 مياه جوفية، و %81.2مياه سطحية تتدفق بمعظمها من مصادر خارج الوطن العربي. إلى ذلك، يقدر متوسط نصيب الفرد العربي من إجمالي المياه المتاحة حوالي 790 متر مكعب، وهو يقل عن خط الفقر المائي المحدد عالمياً بنحو 1000 متر مكعب سنوياً، موضحا أن الدول العربية كلهت عضو في الاتفاقية الدولية لمكافحة التصحر، وقامت بإعداد استراتيجيات وطنية تضمنت مجموعة من البرامج لمكافحة التصحر والحد من أثر الجفاف، ولقد انتشرت أنماط من الزراعات الذكية في مختلف الدول العربية خصوصا في دول مجلس التعاون الخليجي كالزراعات الرأسية الطابقية، واتجهت العديد من الدول للاستثمار الخارجي في الزراعة. إلا ان الدكتور عبيدو يرى أنه ومع هذا وذاك لابد من التوجه نحو المحافظة على البيئة المحلية وقاعدة الانتاج الرئيسة وهي التربة، فلا مناص من التوسع في مشاريع الأحزمة الخضراء واستثمار ما توافر من مياه في سبيل ذلك، مستشهدا بإحصاءات المركز الوطني للاحصاء في دولة الامارات العربية المتحدة التي تشير إلى استخدام 62% من المياه العادمة المعالجة في ري الحدائق العامة، وتجميل المناظر الطبيعية وبعض المزارع في الامارات، مؤكدا امكانية ري المزيد من مشاريع التشجير إّذ تم صرف 34% من المياه المعالجة إلى مياه الخليج في العام نفسه.