ننشر قصة خيالات امرأة عاشقة للكاتبة العراقية رجاء الربيعي

  • 4/12/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تنشر البوابة نيوز القصة القصيرة " خيالات امرأة عاشقة" للكاتبة العراقية رجاء الربيعي، والتي نشرت ضمن المجموعة القصصية التي حملت عنوان "وجوه ملونه" والذادرة عن دار نشر ميزوبوتاميا للنشر والتوزيع. "خيالات امرأة عاشقة"لا وقتَ للهرولة، الشوارعُ ضيقة وكذلك الروح، من يقصُّ ضفيرة لهفتي، من يشجّ جبينَ الخديعة بحجارة الهجران، من؟ جالسة على حافة شباك غرفتها في الطابق العلوي، تتحدث مع مرآتها المثبتة في خزانة الملابس البيضاء، الذكريات تصفعها الواحدة تلو الأخرى، والخسارات لا تمهلها لتتدارك نفسها، بدأت تقرأ الأوراق الصفر التي لوّنها الزمن، وجدت الذكريات هي السبيل الوحيد لفيض معاناتها، كم من السنوات مرت على وجعها وهي تتلوى، الخوف والصمت يلفها كما يلف الليل المكان، نهاراتها مليئة بالصراخ والخوف، لحظاتها طائر يتقلبُ وسط الهواء بجناحٍ وحيد.. يُخيلُ له أنّهُ يصعد إلى أعلى قمة في جبل، عيناه تتقدان من شدة الريح وأشعة الشمس، ضبابٌ يلتفُّ كجلبابٍ على تفكيرها، الوجود يضمحل. تصدع حائط صبرها المتين من ندب حظها وضربها عليه بكفيها، رفعت وجهها للسماء وغمغمت بكلمات مبهمة تبعتها حسرة طويلة، رطّبَت خدها دمعة حزينة تداركتها بسرعة خوفا من توالي أخريات..، اخذت تفكر وكأنها تحاور نفسها: ( من منا الملام اخبرني؟. الرجل لا يلام أبدا في مجتمعاتنا، يشعر بفجيعة الأيام ثم ينسى، فليس بالأمنيات وحدها يعيش الإنسان، دلني على كتف أتكئ عليه لأكون فرحة أتمناها وأرمم بها ذلك البيت المهجور على جرف نهر عريض.. غرفة تتسع لنا ولأمنياتنا ولكركرات أطفالنا الذين رسمناهم على حائط مزقته لحظة مارقة). بيته بات مظلمًا، لا يدخله ضوؤها إلا صدفة، سياجه أشجار زرعتها وسقتها معه. ذات ليلة وقفت معه وسط الحديقة بثوبٍ خفيف بلا اكمام، احتضنته بألفة متناغمة، داعب وجنتيها قبل ان يصحبها من يدها ليسقيا معًا براعم الزرع الناتئة، وهو يهمس لها، أينعت حديقتي الآن بسقيك، كأنك أعطيتيها من روحك نفحة أمل، مثل تلك التي زرعتيها في داخلي الآن، تباهت بأنوثتها والتصقت به حتى أحست أن شَعر صدره يخترق نسيج الثوب ويدغدغ قلبها. أطفأ النور لينام ونسي أنها معه الليلة في غرفته (هكذا تعوّدَ أن ينام وحيدًا)، تشعر بأنفاسه اللاهثة خلف الكيبورد، أخذته الغفوة بسرعة، بقيت تتقلب في نومها القلق وهي تنظر في عيني أمها.. قلبها بدأ يرتجف، اقتربت منها أكثر، سحبت جسدها الواهن قربها ليحميها من مخيلتها التي أخافتها كثيرا، أحست أن الصوت في داخلها صمت عن الكلام وهي تخون الذكرى التي عاشت من أجلها، كيف لها الوثوق بها الآن وكيف لوالدها الذي مات منذ سنوات أن ينام في قبره وهو مطمئن عليها، ما أسهل الموت الآن. بعد أن رسمت لطريقها مسارات واهمة أنها زوجة لرجل لا يهنأ إلا معها في سرير واحد، من يمنع الشمس الآن من الشروق، من يعطيها الضوء الأخضر للولوج إلى دنياه الغامضة، كم من همسٍ عذب سَمِعتْ منه، وكم من لهيب القبل استقبل جسدها الغض العطشان له ! كم من أصوات اجتاحت حياتها، ولكن خوفها منهم أوقعها في المحظور، وها هي الآن معه بعد أن قطعت المسافة من أربيل إلى بغداد، وصلت إلى جنته كما تتصور وهي متعبة، قبلة محمومة استقبلت تعبها، وضحكة مرحبّة كانت تنتظرها طول الطريق، آمال عريضة رسمتها فوق الطريق المعبد، الذي شعرت به يحاكي خيالها، فيتعكر بفعل انفعالاتها وخطواتها، لذلك البيت المطل على نهر عريض وسّع من احلامها وآمالها، من يعطيها لحظة فرح؟ ربما ستكون في انتظارها ذات وقت، كأنها قرص شمس في صقيع دائم؟ هو منقذها من صخب الأرقام والحروف والحضور والانصراف، هو الشمس، والطواف حوله أجمل من الطواف حول كتاب، كانت تحلم أن تقرأه، فكرها العتيق جعل منها سيدة بلا معنى، دون ضجيجه وفوضى أصدقائه وسيارات كانت تسير خلفه، كم كانت غبية حين صدّقت كلماته وانه مولع بها، لا يفارق طيفها ذهنه، ولا يهنأ إلّا بعد أن يسمع صدى صوتها، كل ما في ذاكرتها انتهى الآن، بعد أن عرفت ان كل ما كان يرسله لها قد تم توزيعهُ بين الأخريات اللواتي كن يستقبلن همسه بالإحساس نفسه، ربما تزيد عليهن برومانسيتها، كم هي مسكينة تلك المصدقة له، وكم من قبلة رماها لها وهي ترقص فرحًا كأنها فراشة بيضاء تنتقل بين الورود، عقلها الذاهب له عنوة حاولت أن توقظه بانفعالها الذي لم يظهر إلا بعد أن قالت له اصح، الصباح أقبل وعلي أن أقول لك إني احتاج للصدق، وعليّ أن أكون هناك مع الحقيقة ومع الأمان، آه منك والف آه، فلا أمان معك، وما من حقيقة ترجى هنا، فضحت دموعها كل انفعالاتها التي كانت قد أوصلتها للضحك على نفسها بضحكة هادئة مثل قبلة له، أو وكأنها طفلة نالت أول هدية بالعيد من جدها.

مشاركة :