إن العجز الاقتصادي الذي تواجهه الدولة ليس وليد الساعة، فالدولة تعاني خللاً بالموازنة العامة منذ سنوات ومعالجتها دائماً بالسحب من الاحتياطي العام، إلا أنه وخلال هذه السنة ونتيجة للانخفاض الكبير لأسعار النفط الخام وتفشي وباء فيروس كورونا فمن المتوقع أن يكون الأثر بالغاً على الموازنة.ورغم أن الدولة أعدت قانوناً جديداً للدين العام لاقتراض 20 مليار دينار لمواجهة هذا العجز إلا أنها تتقدم خطوة وتتراجع خطوات في تقديمه لاعتماده، وذلك نتيجة كثير من الملاحظات من أطراف عدة سواء من أعضاء مجلس الأمة أو من المتخصصين بالجوانب الاقتصادية.أهم هذه الملاحظات بأنه هل من الأفضل الاقتراض أم تسييل الأصول من الصندوق السيادي للدولة، حيث أجمع الكثيرون على أن الوقت غير مناسب لتسييل أي من هذه الأصول نتيجة انخفاض الأسواق العالمية. والتساؤل الآخر ما هي أوجه الصرف لهذه الأموال، هل ستكون مصروفات استهلاكية أم مشاريع لها مردود اقتصادي وحزمة انقاذ لاقتصاد البلد من الركود أو الكساد.إن أسوأ الحلول التي طرحت والتي تفتق ذهن بعض أعضاء مجلس الأمة عنها كبديل عن الاقتراض هو سحب وتحصيل الأرباح المحتجزة من مؤسسات الدولة والتي أهمها وأكبرها المبالغ في مؤسسة البترول الكويتية، اذ تقدر بما يقارب 8.4 مليار دينار، بالإضافة إلى السيولة المتوافرة من صندوق الاحتياطي العام وتسييل بعض الأصول.مؤسسة البترول الكويتية أنشئت بمرسوم قانون سنة 1981 كمؤسسة تعمل على أسس تجارية وحدد رأسمالها بمبلغ 2.5 مليار دينار. وبهذا المبلغ واحتفاظها للارباح استطاعت تنفيذ كثير من المشاريع العملاقة والتي حققت للدولة إيرادات ضخمة وفرص عمل لآلاف الكويتيين، وأقامت أعمالاً كثيرة للقطاع الخاص. لقد قامت المؤسسة ببناء أحدث وأكبر ثلاث مصافٍ في العالم، الأحمدي وميناء عبدالله والزور لتكرير ما يقارب نصف انتاج النفط، وبناء مجمعات للبتروكيماويات بالكويت مع إشراك القطاع الخاص والعالمي، وأهم من ذلك تقوم نيابة عن الدولة ببناء جميع مرافق انتاج النفط الخام والغاز ومرافق تصديرالنفط وتمويلها من أموالها الخاصة، والتي تبلغ حسب علمي اليوم مليارات الدنانير، على ان تستردها من الدولة بأقساط على مدى 25 سنة.وقامت المؤسسة أيضاً بتمويل مشاريع كبيرة خارج الكويت بعضها قائم مثل شركة البترول العالمية لمحطات توزيع المشتقات البترولية في أوروبا وشركة الاستكشافات البترولية والتي تنتج النفط والغاز خارج الدولة، ومشاريع بتروكيماوية مشتركة في كندا وآسيا وأوروبا، ومصفاة فيتنام التي تكرر ما يقارب 200 ألف برميل من النفط الخام الكويتي، وتمويل مشاريع قيد الانشاء، مثل مصفاة الدقم في عمان والتي أيضاً ستكرر نحو 140 ألف برميل يومياً من النفط الكويتي.هذه المشاريع هي استثمارات موّلتها المؤسسة من مصادرها الذاتية وقروض محلية ودولية بضمانات ما تملكه المؤسسة من أصول او استثمارات خاصة بها وكذلك بهدف تحقيق ايرادات لها ديمومة واستمرارية للدولة. هدف هذه المشاريع تصريف النفط الخام الكويتي وتنويع منتجاته لمواجهة تقلبات الاسواق كما هو حاصل اليوم.بالتأكيد اليوم مؤسسة البترول بحاجة ماسة للأموال الموجودة لديها حاليا وكذلك للاقتراض لتمويل هذه المشاريع العملاقة المحلية والعالمية.الغريب أن بعض الجهات المعنية بالدولة تضغط على سحب الاموال من المؤسسة وتضع العراقيل أمام اقتراضها بالرغم من موافقة مجلس الوزراء على الاقتراض.إن اي قرار لسحب الاموال من المؤسسة يعني توقف كثير من المشاريع الاستراتيجية للدولة ومن ضمنها مشاريع انتاج النفط والتي هي المورد الاساسي لايرادات الدولة وكأننا بسحب هذه المبالغ نقتل الدجاجة التي تبيض ذهبا، اعتقد أن كثيرا من العقلاء لا يقبلون هذا المنطق.هناك كثير من الاقتصاديين المعروفين بخبرتهم في هذا المجال وهناك كثير من الدراسات التي قامت بها بيوت استشارية عالمية طرحت حلولاً كثيرة لمعالجة الاختلالات في الموازنة العامة والأفضل الاستماع إليهم.وعلى الحكومة ألا تخضع لأي ضغوط أو أطروحات لدغدغة مشاعر المواطن واستغفاله حتى تتحقّق مصالح انتخابية أو غيرها وعلى المواطن ألا ينخدع بهذه الأطروحات والتي قد يفرح بها على المدى القصير وعلى المدى الطويل ستسبّب كارثة اقتصادية وربما لا تستطيع الدولة ان تدفع المستلزمات الأساسية للمواطن ناهيك عن الرواتب. Suhail8118@yahoo.com
مشاركة :