حافلٌ هو عالمنا بالمصطلحات الحديثة، كما هو مليء بالتغيرات الجذرية كذلك، ولمَ لا؟ فكل تغير، لا سيما إذا كان جذريًا وكبيرًا، يأتي مشفوعًا بمفاهيمه الخاصة، فنحن نطور من المفاهيم ما يٌُمكّننا من التعامل مع هذه المستجدات المفروضة فرضًا، ومصطلح المدن الذكية واحد من هذه المصطلحات التي أجبرتنا التغييرات والتطورات على استحداثه. أراد مخططو المدن، على ما يبدو، أن يصنعوا مدنًا على غرار شبكة الإنترنت، فكانت هذه المدن الذكية والمؤتمتة، والتي يُدار كل ما فيها بشكل تلقائي ومميكن. وفي هذا المعنى يقول مخطط المدن أنتوني تاونسند: “بشكل عام، تطورت فكرة المدينة الذكية كمحاكاة لشبكة الإنترنت العالمية الأكبر؛ من حيث إن منطقها الاقتصادي يركّز بسرعة على المعلومات والقوة”. وارتفع عدد الأشخاص الذين يعيشون في هذه المدن ستة أضعاف تقريبًا، ومن المتوقع أن تضيف المدن الذكية 2.5 مليار شخص آخر. اقرأ أيضًا: معضلة بيع الفرنشايز.. كيف تصبح صاحب امتياز تجاري؟ ها نحن إذًا، وعلى ما يبدو، إزاء تحول حضري جديد، فعاجلًا أم آجلًا، ستكون كل المدن ذكية، وستكون الغلبة في النهاية للتكنولوجيا، وما تنطوي عليه من فتوحات، وما تحمله في طياتها من مستجدات.وجهة نظر مغايرة صحيح أن هذا الضرب من المدن ينطوي على جملة من الإيجابيات والمنافع، إلا أنها، وبالقدر ذاته، دليل على فشل الإنسان بالتعايش سواء مع الآخرين أو مع الطبيعة المحيطة به. إن أكبر ما تعد هذه المدن الذكية به هو الحفاظ على البيئة، والإسهام في حل مشكلة التغير المناخي.. إلخ، لكن هذه السلبيات التي أتت هذه المدن الذكية لحلها ومعالجتها كان يمكن ألا تحدث لو لم يفسد الإنسان الجو والطبيعة. اقرأ أيضًا: الحد الأدنى من الأخلاق.. كيف توازن بين الربح والمسؤولية الاجتماعية؟ إن ما نقوله هنا، كان أشار إليه عالم الاجتماع الألماني أولريش بيك؛ ومن بعده عالم الاجتماع زيجمونت باومان؛ فنحن نعيش “في مجتمع الخطر”، وبالتالي فإن هذه المدن التي نشيدها ونبنيها دليل على خوفنا لا أمننا. وهو ما يعني أن عالمنا مفعم بالمخاطر، وفي سياق محاولاتنا _كما يقول “زيجمونت باومان_ لتأمين أنفسنا نكشف ضعفنا وهلعنا. وما يقال عن هذه المدن يقال، وبالقدر ذاته، على الكومباوند، فيبدو أن إنسان القرن الحادي والعشرين لا يريد أن يكون متفاعلًا مع غيره إلا في أضيق الحدود، ومن هنا أتت “ثقافة الكومباوند”. اقرأ أيضًا: كيف تعاملت العلامات التجارية مع أزمة كورونا؟عقد اجتماعي جديد وخلال موجة الإشادة بالمدن الذكية، يلفت مخطط المدن “أنتوني تاونسند” أنظارنا إلى أمر على قدر كبير من الأهمية، وهو ذاك المتعلق بإعادة طرح وصياغة عقد اجتماعي جديد، بالتزامن مع ظهور هذا النمط الجديد من المدن. يقول:“يتطلب عصر المدن الذكية عقدًا اجتماعيًا جديدًا بين سكان المدن والحكومات لتحديد الحاجة إلى جمع البيانات الشخصية بغرض جعل المدن أكثر كفاءة واستدامة وثراءً”. وعلى ذلك يمكن القول إن هناك، دائمًا، خطوة أخرى يجب أن نخطوها إلى الأمام، إن نحن أردنا أن نظفر بعيش كريم في هذا النمط الحضري الجديد؛ فبعد أن ينتهي المطورون الحضريون، ومخططون المدن، وواضعو النظم الإلكترونية لإدارة تلك المدن من عملهم، يجب أن تأتي خطوة أخرى، وهي تلك المتعلقة بدراسة السلوك الإنساني، ومحاولة فهمه، وإدراك أثر هذه التغيرات فيه، واستكشاف الطريقة التي يتعاطى بها مع هذا التغير المحوري في نمط عيشه وأسلوب حياته. وإن تمكنا من ضمان عدم تأثير هذه المدن سلبيًا في الإنسان، وتعاطيه مع المجتمع المحيط به، فسنحقق من خلالها الكثير من المكاسب، والتي سنشير إلى بعضها على النحو التالي: اقرأ أيضًا: أنماط المدراء السبعةالسلامة العامة تأتي هذه المدن مزودة بالكثير من الأدوات والتقنيات التي تُمكّن رجال الشرطة من اكتشاف الجرائم وقت حدوثها الفعلي، بل سوف تساعدها في التنبؤ بالأحداث المختلفة، وستعمل على منع حدوثها بشكل كبير.أتمتة المواصلات في ظل وجود هذه المدن لن تمثّل المواصلات عائقًا، ولن يكون التنقل مشكلة، بل سيتم الأمر عن طريق إنترنت الأشياء، وهناك الكثير من الابتكارات الجديدة في هذا الصدد، والتي ترغب الشركات من ورائها في الاستثمار في تلك المدن الذكية. اقرأ أيضًا: كيف تنجح عندما تغير وظيفتك؟ التدخلات الصحية القائمة على البيانات بين التقنية والصحة علاقة طردية جلية؛ فكلما زاد استخدام التقنيات الحديثة في المجال الطبي كان التقدم الصحي والقدرة على اكتشاف الأمراض أفضل، وأكثر نجاحًا. ليس هذا فحسب، بل إن التدخلات للوقاية من الأمراض قبل حدوثها ستكون فعالة بشكل خاص في المدن ذات العبء المرضي المرتفع، وغير القادرة على الحصول على الرعاية الصحية اللازمة. اقرأ أيضًا: الإذن بالتسويق.. علاقة تفاعلية طويلة الأمدالحفاظ على البيئة على الرغم من أن الجزء الأكبر من التلوث يأتي من المدن، إلا أن هذه المدن الحديثة يمكنها أن تقلل من انبعاثات الغازات الضارة أو تحد منها. وستؤدي المدن الذكية أيضًا دورًا محوريًا في الحد من استهلاك المياه؛ إذ يمكن أن توفر تطبيقات، مثل أنظمة الري الذكية، وتسرب المياه، ومراقبة الجودة، قدرًا كبيرًا من الماء المُهدر هباءً. لكن وعلى الرغم من هذه المكاسب، فمن المخيف، أن يتحول الإنسان هو الآخر إلى آلة، وأن يصاب بالتقاعس والخرس؛ فطالما أن الآلة تفعل كل شيء، فلماذا أفعل أنا أي شيء؟! إن إنسانًا كهذا يمكن _بتصرفه الناجم عن التأثر السلبي بالمدن الذكية وعطاءاتها_ أن يضع جدوى البشر ذاتها موضع شك، لذلك فما نقصده هنا هو حتمية التأكد من عدم التأثر السلبي بهذه المدن قبل الذهاب للعيش فيها. اقرأ أيضًا: الاستراتيجية الرشيقة.. 6 مهارات أساسية طرق قياس الابتكار.. كيف تدوم الشركات؟ ما لا تعرفه عن الإبداع.. أساطير يجب التخلص منها
مشاركة :