تُعد السجون من أكثر المواضيع التي تؤرق سكان ليبيا، نظراً لأن فتح أبوابها يظل دون رقيب، وإخراج من فيها مرهون بتغيير تبعية منطقة ما إلى سلطة أخرى، في ظل حرب مستعرة بين «الجيش الوطني» وقوات «الوفاق»، وفي ظل توجيه اتهام لقوات عملية «بركان الغضب»، التابعة لرئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، بارتكاب أعمال «قتل وتخريب» في بعض المدن التي دخلتها أول من أمس.وفور إعلان قوات حكومة «الوفاق»، المعترف بها دولياً، السيطرة على 8 مدن بالساحل الغربي، اتجهت إلى سجن مدينة صرمان، وأطلقت سراح غالبية من فيه، بدعوى أن قوات «الجيش الوطني» احتجزتهم به دون تهمة، وقالت: «حررنا عدداً من المخطوفين المحتجزين في سجن صرمان، من بينهم أطفال قُصر».ومن بين المفرج عنهم عبد الحفيظ سويسي التائب، الذي أعلن عن اختفائه قبل 3 أشهر في العاصمة طرابلس، دون معرفة مصيره أو الذين خطفوه، لكن قوات «بركان الغضب» قالت أمس إنه «سبق لقوات (الجيش الوطني) المطالبة بمقايضته بعناصر تابعين لها، قبض عليهم من قبل قوات العملية». لكن «الجيش الوطني» نفى ذلك.ونقلت قنوات ليبية محلية معارضة لحكومة «الوفاق»، عن مصادر لم تسمها، أن قوات «بركان الغضب» أطلقت مساء أول من أمس سراح عدد من عناصر تنظيم «القاعدة» الإرهابي من سجن صرمان وصبراتة. كما تحدثت وسائل محلية أخرى عن «تمكن 15 سجيناً آخرين من الهرب، أغلبهم موقوفين على ذمة قضايا جنائية».وكان جهاز الشرطة القضائية قد استبق تطور الأحداث برفع درجة الاستعداد القصوى داخل السجون التابعة له في المنطقة الغربية، تحسباً من مواجهات محتملة، وذلك فور اندلاع المواجهات الدامية قبل دخول «الوفاق» 8 مدن على طول الساحل الليبي. وطالب باتخاذ جميع التدابير الأمنية اللازمة في هذه السجون، مع نشر أكبر عدد من أفراد الشرطة، تحسباً لأي ظرف طارئ، بحسب رسالة إلى مديري تلك المؤسسات.وفي مواجهة اتهام قوات حكومة «الوفاق» بالتورط في عمليات «قتل مواطنين» في صرمان وصبراتة، التي بسطت سيطرتها عليهما مساء أول من أمس، مع 4 مدن أخرى، حث أعضاء مجلس النواب، التابعين لحكومة «الوفاق»، قوات «بركان الغضب» التي سيطرت على المدن الست على عدم التورط في أي أعمال انتقامية في المدن «المحررة»، كما ناشدوهم بعدم التعدي على ممتلكات المواطنين، والإسراع في توفير جميع الاحتياجات المطلوبة لهذه المدن، خصوصاً المتعلقة بمواجهة «كوفيد-19».وقال الشيخ علي مصباح أبو سبيحة، رئيس المجلس الأعلى لقبائل ومدن الجنوب، إن «السنوات التسع العجاف التي مرت بها ليبيا، وما وقع بها من إراقة للدماء وتعذيب للأجساد ونهب للأموال، تسبب في قسوة قلوب الليبيين».ووجه أبو سبيحة حديثه إلى السراج، وقال عبر حسابه على «فيسبوك» أمس: «لقد دخل جيشك المكون غالبيته من مجموعات غير نظامية إلى مدن غرب ليبيا، وباركت انتصاره دون أن تتطرق بأدنى كلمة استهجان أو استنكار لما قام به من قتل وتخريب للممتلكات العامة والخاصة»، متابعاً: «هذه تعد جريمة حرب مكتملة الأركان، طبقاً لاتفاقية جنيف الأولى والثانية، وستكون أنت وأركان حربك المتهمين الأوائل في هذه الجرائم البشعة التي تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان».وطالب أبو سبيحة رئيس المجلس الرئاسي «سرعة وضع الترتيبات الأمنية لحفظ سلامة المواطنين والأسرى، ومعاملتهم طبقاً لما نصت عليه اتفاقية جنيف»، موضحاً أن أي تقصير في هذا الأمر «سيعرضك للمحاكمة، طبقاً للقانون الدولي، إن عاجلاً أو آجلاً، لأن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم».وانتهى أبو سبيحة قائلاً: «ليس لك من مخرج إلا القبض على هؤلاء المجرمين، وتقديمهم لمحاكمة علنية عادلة. ولا يخفى عليك أن هناك توثيقاً لهذه الجرائم من مواطنين وجهات حقوقية».ونعت أوساط ليبية كثيرة محمد بالقاسم عباس، وهو مراقب تعليم بمدينة صرمان، تابع لوزارة التعليم بحكومة «الوفاق»، وقالت إنه تمت تصفيته على أيدي قوات عملية «بركان الغضب».وفي المقابل، نفى عبد المنعم الحر، الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان بليبيا، علمه بارتكاب أعمال «ذبح لمواطنين»، كما تردد، لكنه قال لـ«الشرق الأوسط» أمس: «لقد تم ارتكاب جملة من الانتهاكات، مثل النهب والسرقة وحرق الممتلكات الخاصة والمقار الأمنية والعسكرية»، مشيراً إلى إرسال بعثة تقصي حقائق من المنظمة إلى صرمان وصبراتة والعجيلات للوقوف على حقيقة الأمور هناك.
مشاركة :