مقال / غياب عربي غير مبرر عن تنمية النقل البحري | اقتصاد

  • 6/19/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

ما هبت أمة نحو إحداث طفرة اقتصادية وثورة تنموية إلا وكان أحد أهم وسائلها هو تطوير النقل وأدواته بكافة أنواعها، الأمر الذي ينعكس حتما بالإيجاب على التنمية. وفي قراءاتنا لتاريخ الحضارات لم نجد حضارة قامت إلا وكان رائدها يضع نصب عينيه واهتماماته نحو النقل وتعبيد الطرق والسيطرة عليها، ولنتخذ مثالاً لحضارات ضاربة في القدم كالفرعونية والفينيقية والآشورية والصينية والرومانية والحضارة الإسلامية التي ملكت نصف الكرة الأرضية في القرون الماضية. وفي بلداننا العربية هناك بيئة جغرافية عظيمه أغلبها منبسط وبحار ممتدة ولغة واحدة وثروات متنوعة بترولية وزراعية وصناعية وتعدينية وبشرية، وما زال هناك إحجام غير مبرر عن الدخول بقوة في ما هو لازم وضروري ولا غنى عنه، وهو قطاع النقل بكافة أنواعه. ولكي ندرك حجم المشكلة علينا أن نتوقف عند تكلفة شحن حاوية 20 قدماً من ميناء «انتويرب» في شمال أوروبا إلى ميناء الإسكندرية فسنجدها لا تزيد على 500 دولار، في حين أن تكلفة شحن الحاوية نفسها من السويس إلى بورسودان لا تقل عن 1200 دولار، وهي مسافة لا تتجاوز 1500 كم في بحر واحد ! وصناعة النقل بوجه عام تمثل نسبة عالية من تكلفة أي سلعة بل ان هناك أنواعاً من السلع تكون أغلب تكلفتها مركزة في قيمة النقل والخدمات اللوجستية مثل المواد الأولية والأسمدة ومواد البناء وكثير من الخضراوات والفواكه، وهذا ما يرفع تكلفة السلع بما يتراوح بين 30 و50 في المئة، ولنا فى ذلك أمثلة كثيرة لا مجال لسردها. وإذا أردنا أن نحدث تكاملاً عربياً اقتصادياً فلابدّ من خوض معركة تطوير وسائل النقل وضخ استثمارات ضخمة، اعتقد أن الأجدر بالقيام بها هي الحكومات من قبيل الأمن القومي العربي، وهنا نتساءل لماذا لا نرى استثمارات في قطاعات النقل وبخاصة النقل البحري الأكثر حمولة والأرخص تكلفة؟ إن أبناء الخليج ملكوا البحار عقوداً طويلة ولا ننسى البحار العماني الشهير أحمد بن ماجد (أمير البحار) مكتشف أعالي البحار، كما أن الوطن العربي مساحات ممتدة بها بحار عظيمة لا تتجمد بالإضافة إلى توافر الاستثمارات المالية والعقول البشرية وكلها متوافرة في أمتنا العربية. بات من الضرورة بمكان تكوين خط ملاحي عملاق يجوب بحارنا العربية من الخليج العربي إلى المحيط الاطلنطي يغطي كافة موانىء الدول العربية، بالاضافة الى حوض البحر الأبيض المتوسط وشبه القارة الهندية، وهذا العمل يجب ان تقوم به الحكومات فهو استثمار طويل النفس يحتاج الى رؤية وهدف، وهو من الأمور التي ستنعكس على المواطن بمجرد بدء تشغيله. للمفارقة، فإن ملّاك خط (MSC) الملاحي سويسريون تلك الدولة التى لا ترى البحار، فيما ملّاك خط «الميرسك» الملاحي من الدنمارك التي تعيش أياما جليدية طويلة، بينما نحن وبكل ما حبانا الله من طبيعة وموقع وتكامل ولغة وتنوع في الثروات وإمكانيات استثمارية عظيمة ... لم نتقدم نحو هذا الاستثمار الحتمي. وعليه نتساءل، لماذا تعمّد الاستعمار قطع خطوط السكك الحديدية التي كانت ممتدة آلاف الكيلومترات من شمال أفريقيا إلى الشام ومن جنوب الجزيرة العربية إلى أقصى شمال الشام؟! لذا يبدو الحديث أكثر من ضروري عن أهمية الاستثمار في قطاعات النقل وتكاملها مع بعضها البعض، وإنشاء خط ملاحي عملاق، بالإضافة الى خطوط سكك حديدية لنقل السلع والخامات من مصادرها إلى الموانئ ... هذا ما سيؤدى الى تخفيض التكاليف ثم انعكاس هذا إيجاباً على المواطن العربي، ومن ثم إعادة بناء للحضارة. وأختم بالإشارة إلى ما قاله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه «لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها: لِمَ لم تمهد لها الطريق يا عمر؟» وهذا تأكيد وقمة نجاح لأهمية الطرق في نهضة الأمم. * باحث في الاقتصاد الإسلامي والنقل البحري

مشاركة :