في ساحة رحمة الله وكرمه، يقف العباد، فكلما نظروا وجدوا أنهم في نعيم، وكلما تمعنوا عرفوا أنهم مقصرون، لا يملك العباد احصاء نعم الله عليهم ولا يعرفون كم أن الله لطيف بهم، وفي الدعاء حين نرفع أيدينا إلى الله، نبتهل بما معناه سواء من هذه الكلمات أو ما يقاربها في كل حال، فالنفس البشرية تعترف حين تدرك من هو المعطي الحقيقي، فما ندري ما نشكر؟ أجميل ما تنشر، أم قبيح ما تستر، أم عظيم ما أبليت وأوليت، أم كثير ما منه نجيت وعافيت؟ يا حبيب من تحبب إليك، ويا قرة عين من لاذ بك وانقطع إليك، أنت المحسن ونحن المسيؤون، فتجاوز يا رب عن قبيح ما عندنا بجميل ما عندك، وأي جهل يا رب لا يسعه جودك؟ أو أي زمان أطول من أناتك، وما قدر أعمالنا في جنب نعمك؟ وكيف نستكثر أعمالا نقابل بها كرمك، بل كيف يضيق على المذنبين ما وسعهم من رحمتك؟ إن تفتحت العيون، العيون الداخلية البصيرة، وجدت هذا الاستشعار القوي بمشاعر قوية مليئة بالوجود المعرفي في العمق النفسي، حيث يضع الألم والمقاساة، والشعور بالظلم والضغائن، تختفي كل هذه المشاعر أمام جبل العطف الإلهي والرحمة الربانية، منذ وجودك أيها الإنسان في اللحظة الأولى وحتى تخرج من بطن أمك، وحين تتربى وهو يغذيك ويعطيك بمنه وكرمه، وتكبر وتنهض، وتشب فيك كل الميولات والرغبات، وتخطأ وهو يستر عليك، وتشيخ وتعود عُوداً سهل الانكسار، ويغطي عيبتك بشيبتك الوقورة، ألا ندرك هذه الرحمة العظيمة من الله، وكيف أنه تعالى لا يقاس بعطاء هو العطاء كل العطاء. كرم ورقة البارئ جلَ جلاله في الاستشعار والبصيرة يدركه الإنسان، فلو أن الله بدّل ما ستر من ذنوبنا إلى كشف ما خفي من عيوبنا؛ لما كنّا نرافق بعضنا البعض، ولو أن الله أنهى الحفظ عنا من كثير ما ينجينا وما منه يعافينا بكثير ما يصيبنا ويعترينا ويبلينا، لكنا في نار قبل نار جهنم، ولو أن الله لم يتجاوز عن قبيح ما عندنا بجميل ما عنده لولينا وما صلحنا، لكن الرحمة تكشف العطاء اللا متناهي من عطاء الله، وتفرض على العبد التجلي بالصغر والصغار أمام الله تعالى. أو ما بعد هذا فكيف لا نعجز عن شكر نعم الله علينا، وكيف لا نبقى مدينين لكرم الله، وهذا سر شكر الله في السراء والضراء، فالحمد لله الذي لا يُشكر على مكروه سواه، وهنا جواب التساؤل في الدعاء مما جاء، فما ندري أجميل ما تنشر أم قبيح ما تستر، لأن الابتلاء من عند الله جميل لكرمه السابق ولأنه الخالق، والخلاص والنجاة من الابتلاء جميل آخر، والابتلاء مدرج من مدارج الكمال والرقي، ما يوصل العبد إلى المراقي والمعالي الكمالية، فبين ذا وذا يشكر العبد ربه، ولأن شكرتم لأزيدنكم ولأن كفرتم إن عذابي لشديد. العجز كل العجز يعتري ابن آدم في قبال شكر الله، ومن يرى نفسه أنه قادر على شكر نعم الله عليه يصبح في باحة الشيطان إذ يلقي إبليس عليه عدم الرضا بما قسم الله له، ويضفي له الشيطان أبواب الجشع والطمع بما لا يراه العبد من قسمة ونعمة كبيرة من رب العباد، فيعش التعاسة والقسوة مع نفسه. والسؤال ما حاجتنا إلى تدبر الشكر في شهر رمضان المبارك؛ كما وما علاقته بالصيام والقيام؟ والجواب خلق حالة الرضى عند العبد، والقناعة، فكلما حبس العبد نفسه عن المعاصي وهي رتبة الصيام، في رمضان أنت تعوّد نفسك على هذا الحبس، وتروضها، وتعففها، لتغنى بما رزقك الله وتشكره، لتصل للمراتب ما بعد نتيجة الصيام تلك حدود الله فلا تقربوها فخارج الحدود محرمات، وداخل الحدود واجبات.
مشاركة :