تفاقمت المخاوف من خروج اليونان من منطقة اليورو، وتداعياته على الاتحاد النقدي والاقتصادات العالمية. وبرزت هذه المخاوف في مواقف كثيرة أمس بلغت حدّ صدور تحذير رسمي من الولايات المتحدة. وما عزّز هذا التشاؤم صعوبات تحول دون توصل أثينا والجهات الدائنة إلى اتفاق حول الإصلاحات للإفراج عن المساعدة المالية الأوروبية مع اقتراب موعد استحقاق قرض لصندوق النقد الدولي نهاية الشهر الجاري. وتزامنت هذه الأجواء مع اجتماع وزراء مال منطقة اليورو أمس في لوكسمبورغ، في محادثات حاسمة حول اليونان. وازدادت حدة المفاوضات خلال هذا الأسبوع بين أثينا ودائنيها المتمثلين بالاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي، حول الجزء الأخير من خطة المساعدات المخصصة لليونان وقيمته 7.2 بليون يورو، حتى وصل الأمر ببعض المسؤولين إلى طرح فكرة احتمال خروج اليونان من منطقة اليورو. وجاء التحذير الأول قبل اجتماع لوكسمبورغ لدول منطقة اليورو الـ19، من البنك المركزي اليوناني وللمرة الأولى أول من أمس، من أن «يؤدي فشل المفاوضات إلى تعثر اليونان في تسديد ديونها وخروجها من منطقة اليورو، وربما من الاتحاد الأوروبي. وبرزت دلالة أخرى على بدء قادة الاتحاد الأوروبي فعلاً البحث في احتمال خروج اليونان من منطقة اليورو، في إعلان رئيس البنك المركزي الألماني ينس فيدمان، أن من شأن ذلك «تغيير طبيعة الاتحاد النقدي لكن لن يدمره». وقال في مقابلة مع وسائل إعلام فرنسية وإيطالية وإسبانية، «ستكون السيطرة صعبة» على نتائج الخروج من منطقة اليورو بالنسبة إلى أثينا. وفي مقابل التحذيرات من خروج اليونان من منطقة اليورو، لم تتخلّ المستشارة الألمانية أنغيلا مركل، عن قناعتها بـ «إمكان التوصل إلى اتفاق مع اليونان». ولفتت إلى أن «جهود ألمانيا موجهة لإبقاء اليونان في منطقة اليورو». وعلى الجانب اليوناني، استبعد وزير المال يانيس فاروفاكيس، التوصل إلى اتفاق حول سلسلة الإصلاحات الاقتصادية خلال المحادثات الجديدة، التي تتيح صرف الجزء الجديد من القروض. وأعلن أن الأمر «يعود الآن إلى القادة السياسيين للتوصل إلى اتفاق». ولم يقتصر القلق من أزمة اليونان على أوروبا، بل انسحب على الولايات المتحدة، إذ نبّهت رئيسة الاحتياط الفيديرالي الأميركي (البنك المركزي) جانيت يلين، من أن الاقتصادين الأميركي والعالمي «مهددان بالتعرض لاضطرابات»، في حال عدم توصل أثينا ودائنيها إلى اتفاق. وأكدت في مؤتمر صحافي توقعاتها بـ «حصول اضطرابات ممكنة ربما تطاول الآفاق الاقتصادية في أوروبا والأسواق المالية في العالم». وأوضحت أن انكشاف الولايات المتحدة على اليونان من طريق التجارة والمال «محدود جداً»، لكن ليست في منأى من تداعيات سيناريو كارثي في أوروبا. وشددت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد أمس في مؤتمر صحافي في لوكسمبورغ، على أن اليونان «لن تحصل على فترة سماح وعليها تسديد مبلغ 1.5 بليون دولار في 30 الجاري، وإلا اعتُبرت متخلّفة عن التسديد». وبات معروفاً أن تعثّر المفاوضات بين اليونان ودائنيها يعود إلى معاشات التقاعد، وأكدت لاغارد في هذا المجال «الانفتاح على الحوار». ورأت ضرورة «الحفاظ على معاشات التقاعد الصغيرة». وتتهم اليونان دائنيها، لا سيما صندوق النقد بالعمل على فرض اقتطاعات على معاشات التقاعد البسيطة. وقال الوزير المفاوض اليوناني أوكليد تساكالوتوس في حديث نشرته صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية أمس، أن «محاورينا يصرون في كل مرة على خفض معاشات التقاعد». واعتبر أن ذلك «غير معقول في بلد خُفّضت فيه معاشات التقاعد في شكل كبير منذ خمس سنوات، خصوصاً أن ثلثي المتقاعدين يعيشون تحت خط الفقر». ورفض مفوض الشؤون الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي بيير موسكوفيسي في تصريح صحافي لدى وصوله إلى اجتماع لوكسمبورغ، أن «تتحول أزمة الديون إلى تكرار لمعركة واترلو، في ذكرى مرور 200 سنة على الهزيمة التاريخية لفرنسا». وقال: «اليوم تاريخ مهم ولا رغبة لدي في أن أرى عودتنا إلى عصر «واترلو» عندما اصطف الأوروبيون جميعاً ضد دولة واحدة». وكان لرئيس الحكومة اليونانية آلكسيس تسيبراس موقف أوضح فيه أسباب فشل المفاوضات، إذ قال: «في حال أصرّت أوروبا على نظام التقاعد، فعليها تحمل الثمن»، مشدداً على أن «لا مكان لأي اقتطاعات إضافية من دون تأثيرها في صلب نظام التقاعد». وللمرة الأولى بعد فشل المفاوضات الأسبوع الماضي، أجرى تسيبراس اتصالاً هاتفياً برئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، الذي اتهم رئيس الحكومة اليوناني بتضليل الناخبين اليونانيين حول ما يجري في المحادثات. وأظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية اليونانيين يؤيدون الاستراتيجية التي تتبعها الحكومة في التفاوض، على رغم تراجع نسبة دعمها. وفي محاولة من تسيبراس ليظهر للأوروبيين وفقاً لمراقبين، أن «لديه خيارات أخرى»، توجه مع عدد من الوزراء اليوم إلى روسيا، لحضور منتدى اقتصادي في سان بطرسبرغ ولقاء الرئيس فلاديمير بوتين استناداً إلى ما أعلنه مكتبه، بالتزامن مع اجتماع حاسم لـ «مجموعة اليورو». وكشف فيدمان، أن البنك المركزي الأوروبي «لن يكون قادراً على تقديم مساعدة مالية لليونان، في حال انهارت المفاوضات السياسية في شكل نهائي بين أثينا ودائنيها». وأوضح في مقابلة مع صحيفة «لاستامبا» الإيطالية، أن «ليس من مهمة البنك المركزي الأوروبي تمويل الدول، بل هو في الواقع ممنوع عليه فعل ذلك». وقال: «إذا فشلت المحادثات على المستوى السياسي، لن يكون أمام البنك المركزي الأوروبي خيار سوى استخلاص النتائج الضرورية، وهو أمر سيكون بيد الحكومات والبرلمانات لتقرر عملية تمويل اليونان». ولم يحدد مساعدة السيولة الطارئة التي «زادها» وفق مصدر مصرفي لوكالة «رويترز» بقيمة 1.1 بليون يورو (1.25 بليون دولار) ليصل سقفها إلى 84.1 بليون يورو. واعتبر فيدمان أن «مسؤولية بقاء اليونان في منطقة اليورو متروكة للحكومة»، متوقعاً «صعوبة السيطرة على العواقب في حال التعثر في التسديد». وأكد ضرورة «تطبيق قواعد الانضباط المالي في منطقة اليورو في شكل أكثر حزم». وفي إشارة إلى التوتر المتزايد بين يونانيين كثر حول مصير بلادهم، نظّم أنصار اليورو مسيرة في وسط أثينا داعين إلى إنهاء الأزمة.
مشاركة :