كنت مستلقيا على الكنب بعد وجبة فطور رمضانية دسمة ثم ألحقتها بكأس فيمتو «فضبَطت الأمور». بدأت شاشة التلفاز أمامي تختل تصغر قليلا ثم تكبر قليلا تزيد الألوان ثم فجأة تنقلب الصورة إلى أبيض وأسود لكني لم أجهد نفسي في معرفة السبب واعتقدت أنها من التجليات الربانية فلم أتدخل في مشيئة الله. ثم بدأت نفسي الأمارة بالسوء والتي بكل شر تنوء بسلسلة من الوسوسات والطلاسم خيل إلي من التخمة أنها طلاسم أدونيس التي لا يفك شفرتها إلا رجل صاحي غيري والمحروس إبليس. فبينما أنا على هذه الحالة يأتيني اتصال والدتي الغالية باستعجالي لمرافقتها الى صلاة التراويح فما كان مني إلا السمع والطاعة. ركبت سيارتي وبدأت رحلة الهوينا المليئة إلى المسجد وكان الطريق أطول من المعتاد لكن تلك قصة أخرى لعلي أرويها لاحقا. دخلت المسجد ثم جلست في زاويته بعد أن صليت سنة المسجد أخذت المصحف الذي أمامي فتحته فوجدته قد تداخلت أحرفه وتشابكت ولا أعلم لماذا ثم أخذت الثاني والثالث والرابع فتكررت نفس القصة فعلمت أنها أيضا من التجليات الربانية فلم أتدخل في مشيئة الله واكتفيت بالتمحلق في وجوه المصلين يمنة ويسرة انتظارا للصلاة. وقف الإمام ونحن خلفه وقوف وكنت أتساءل عن سبب التمايل في الصفوف وقلت لعلها أيضا من التجليات وما أن كبَر الإمام حتى رأيت «الهواجيس» قد أزلفت والركب أثقلت وكل من حولي كأنهم جمال حشرت وأصوات بغازات الهيليوم والكربون والأرجون قد تهجرعت. ثم ركع الإمام فرأيت أولى منازل الآخرة وقلت في نفسي إن للموت لسكرات ثم سجد إمامنا سجدة فاختل السلم الخماسي للمعدة فأعدت تذوق اللقيمات والسمبوسة و«مخباة التاجر» ولو أطال قليلا لتذوقت الشوربة الجريشية منها والكويكرية. وما ان انتهت الصلاة حتى رأيت الناس إلى الباب سراعى كأنهم إلى منادٍ بالمال يوفضون. شكرت ربي على أن مرت هذه الصلاة بسلام وعدت نفسي أنها لن تتكرر التخمة الشيطانية وأني سوف أكتفي باللقيمات اللاتي يقمن الصلب. فوجئت بعد أن وصلت إلى البيت بكم من الرسائل الدعوية والمقاطع الإيمانية ممن تصدروا الشاشة. فانجطلت أخرى على الكنب وأمسكت جوالي ثم قلت «مفيش حد أحسن من حد» فقد خلط البعض الدين بالسياسة بالتجارة فكانت خلطة موفقة وأصبحوا نجوم الشاشة فلماذا يا أبو ريما لا تخلط بضاعتك المزجاة لعلك تصبح مثلهم باشا وتوصلك إلى الأكشنة أقصد الشهرة وتتصدر القنوات والاذاعات. فاستعنت وتوكلت على الله ولبست ثياب الواعظين وبدأت أهذي بكلام متين وبدأت أرفع صوتي أين الخشوع أيها الصائمون المتخمون. ألا تعلمون أن الفطور.. مرورا بالغداء ونقرشة ما بعد الغداء وصولا إلى العشا ء.. ونقرشة ما بعد العشاء.. هي مجموعة لقميات تنفخ الكرشات وتزيد الحسرات. لقيمات يتلقفها الفم بكل استحياء.. وتحاول أن تخبيها المعدة بكل ما أوتيت من قوة ولكن يأبى الجسم إلا أن يفضحها على الملأ ويهتك سترها فترى من تضاريس الجسم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فترى الكرشة قد وعت واستفحلت والأرداف قد كبرت وانبسطت والفخوذ قد ترجرجت.. والعيون قد غاصت. فكم يحزن الإنسان.. لفقد المحروس أبوكاس.. ولا تعاد له الابتسامة والضحكة إلا عندما يرى الأكياس قد اصطفت كالحراس تنتظر ضرب الأخماس وربما الأسداس.. وسط هذا الجو الإيماني الروحاني بصحبة هذا الضيف الحبيب على قلوبنا أجمعين والذي تمر أيامه بسرعة لا نكاد نفرح بدخوله نبوح له بأحزاننا وهمومنا حتى يحزننا رحيله، أحببت بهذه الخاطرة ان أدخل البسمة إلى قلوب الناس وفي نفس الوقت أن أهمس في اذانهم ألا تفوتوا سيد الزمان والمكان بالتخمة وتضيعوا صحبته فاغتنموا أوقاته بالطاعات لعل الرحمن الرحيم يغفر لنا الذنوب والسيئات. محلل سياسي
مشاركة :