حقوق الإنسان في زمن كورونا

  • 4/17/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

«حقوق الإنسان»، مصطلحا وتنظيرا، منتج غربي من ثمار عصر الأنوار. نُحِتَ مصطلح حقوق الإنسان، أول ما نحت، عشية الثورة الفرنسية، في الهزيع الأخير من القرن الثامن عشر، وأخذ مفعوله، غربيا، بصفة شاملة، عندما اعتمدت الأمم المتحدة في نهاية أربعينات القرن الماضي، ما سمته «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان». احتوت مدونة حقوق الإنسان على عدة حقوق، منها ما يتعلق بحياة الفرد ذاتها، ومنها ما يتعلق بضماناته الاجتماعية والعملية، ومنها ما يتعلق بحريته الشخصية، خاصة ما يتعلق بحرية التفكير، والتعبير، والتدين والتجمع... إلخ. من نافلة القول إن حق الإنسان في الحياة هو رأس سنام حقوقه، ذلك أن الإنسان إن لم يضمن حياته نفسها، فليس ثمة داع لباقي حقوقه. حق الحياة، وما يحفظها جاءت به الفقرة الأولى من المادة الخامسة والعشرين من المدونة، بأن «لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة، كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته. ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية، وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة. وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة، وغير ذلك من فقدان وسائل العيش، نتيجة لظروف خارجة عن إرادته». لو افترضنا، لغرض التحليل فقط، أن هذا الحق الذي جاءت به المادة آنفا أساسي، بصفته متعلقا بحياة الفرد نفسها، وباقي الحقوق فروع عنه، فهل هذا الحق الأساسي مُراعىً في الغرب المعاصر، بوصفه مهد حقوق الإنسان؟. يجوز القول إن جائحة كورونا، أو ما يعرف بـ«COVID-19»، قد عرّت حقيقة حقوق الإنسان في الغرب إلى درجة كبيرة. لماذا؟.. لأن حق الإنسان الأساسي في الحياة بات مهددا هناك، نتيجة عدم كفاية النظم الصحية الغربية لمواجهة الجائحة. نجد اليوم دولا مثل: إيطاليا، التي انبثقت منها أنوار النهضة الأوروبية، وفرنسا، مهد الثورة الفرنسية، والأنوار، وحقوق الإنسان، وأمريكا مهد الثورة الثانية التي مهدت للإنسان الحديث، كل هذه الدول باتت تحت رحمة فيروس لا يُرى بالعين المجردة، على الرغم من أنها استوطنت الفضاء، وفكت شفرة الجينوم البشري، وبلغت في التكنولوجيا والعلم شأنا عاليا جدا. قد يقول قائل: لا ذنب لتلك الدول، في ظهور فيروس مفاجئ لا يرحم، والجواب أن الفيروس أظهر أن المصحات هناك لم تكن مجهزة بشكل كاف لاستقبال المرضى والعناية بهم، على الرغم من أن تلك الدول تنفق تريليونات الدولارات في سباق التسلح. ولو صرفت جزءا من تلك الأموال الفلكية لبناء مزيد من المصحات والمراكز الطبية، ومراكز البحوث المتعلقة بصحة الإنسان، لربما استطاعت أن تواجه هذه الجائحة على نحو أرحم مما يجري الآن. ثمة رأي معترض آخر يرى أن حرية التعبير الواسعة التي يتمتع بها الإنسان في الغرب دليل دامغ على تأصل حقوق الإنسان في الغرب، والرد عليه سيكون من جانبين: جانب بديهي، وجانب تاريخي. الجانب البديهي يحمل سؤالا مفاده: ما فائدة إعطاء الإنسان حرية تعبير مفتوحة، إذا لم تُوفر له الحقوق الأساسية، وعلى رأسها حفظ حياته؟. أما الجانب التاريخي فيُظهر أن حرية التعبير كانت، وستظل، لازما أساسيا من لوازم الرأسمالية المعاصرة، كما انبثقت من محضنها البرجوازي، ومن ثم، لا يدل هذا الحق على أن الإنسان هناك قد تمتع بحقوقه، بوصفه إنسانا بالمطلق، كما ينبغي. ثمة دليل آخر على تضعضع الاهتمام بالحق الأساسي للإنسان، المتمثل في حقه بالحياة، ألا وهو لجوء بعض تلك الدول، أو غالبيتها إلى تخصيص الخدمات الصحية، ليظل المواطن تحت رحمة قطاع خاص لا يرحم بطبيعته. فمن لا تأمين لديه، فليواجه مآسي المرض والخوف المحدق قبل أن يموت!. نحن نتكلم عن جانب واحد من جوانب حق الحياة الأساسي، وهو توفير العناية الطبية على نحو كاف، والذي أظهرت جائحة كورونا أنه لم يكن على نحو مناسب، حتى في أعرق الدول ديمقراطية وتنويرا، فماذا عساه أن يكون عليه الأمر لو أضفنا إليه حق الإنسان في العمل والخدمات الاجتماعية اللازمة؟. لقد سلَّعَت الرأسمالية، وربيبتها: الليبرالية الجديدة، الإنسان، فجعلته مجرد سلعة خاضعة لآلية العرض والطلب. أما الإنسان الحقيقي الذي قاتلت من أجله فلسفة الأنوار، فلم يوجد بعد.

مشاركة :