«ذهب» لبنان في «عاصفة» الأزمة المالية

  • 4/18/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

كل من يطلع على أرقام التجارة الخارجية للبنان، لا يُفاجأ بضخامة عجز الميزان التجاري البالغ سنوياً 17 مليار دولار، بقدر ما يفاجأ برقم يزيد على مليار دولار قيمة الذهب والمجوهرات التي يصدّرها سنوياً، وبما يعادل ثلث مجموع صادراته، خصوصاً أنه ليس منتجاً للمعدن الأصفر، لكن يتضح بعدئذ أنه بلد مستورد للذهب الخام والسبائك والجواهر المعدة للكسر، ثم يعيد تصنيعها إلى جواهر حديثة تواكب تطور العصر، ويصدرها تحت بند جمركي «ذهب وأحجار كريمة». وقد استغل التجار إجراءات الإعفاء من الرسوم، حيث ازدهرت تجارة الذهب، استيراداً وتصنيعاً وتصديراً، في السنوات الأخيرة، رغم تأثر لبنان من انعكاس التداعيات السلبية للاضطرابات السياسية والأمنية التي شهدتها المنطقة. وبما أن أصحاب الأموال، يفتشون دائماً عن الأمن والأمان لحماية أموالهم، فقد وجدوا ضالتهم في الذهب، خصوصاً في ظل القيود التي فرضتها المصارف اللبنانية على سحب ودائع الدولار نقداً، ما اضطر أصحابها لاستخدام شيكات مصرفية، لشراء سبائك وأونصات ومجوهرات بأوزان مختلفة. وهكذا دخل الذهب «عاصفة» الأزمة المالية التي يعاني لبنان تداعياتها، والتي بلغت ذروتها الشهر الماضي حين أعلن توقفه عن دفع ديونه المستحقة، والبالغة 31 مليار دولار، وهي جزء من مجموع ديونه البالغة 90 مليار دولار. وبما أنه للجهات الدائنة الحق القانوني الكامل بالادعاء على لبنان، وحجز موجوداته لتحصيل حقوقها، فهي تتطلع إلى موجودات مصرف لبنان من الذهب، والبالغة نحو 10.116.572 أونصة، وتصل قيمتها 17.5 مليار دولار. فهل تنجح هذه الجهات في تحقيق هدفها؟ في عام 1986، تولد خوف من تسييل الذهب وبيعه وهدر عائداته على نفقات جارية وخدمة لمصالح سياسية خاصة، لذلك أقدمت جبهة برلمانية على إصدار قانون من مجلس النواب ينص على «منع التصرف بالموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان أو لحسابه، بصورة استثنائية، مهما كانت طبيعة هذا التصرف وماهيته، سواء أكان بصورة مباشرة أم غير مباشرة». لكن بعد نحو 10 سنوات، أي في عام 1996، تخلت الدولة عن سيادتها على موجوداتها الخارجية، عندما أقر مجلس النواب اتفاقية عقود إصدار «اليوروبوند»، وتضمن أحد بنودها، قبول الدولة الخضوع لقوانين محاكم نيويورك لحل أي نزاع بينها وبين دائنيها، حال تخلفها عن سداد ديونها بالعملات الأجنبية. وبما أن القسم الأكبر من الذهب اللبناني محفوظ في قلعة «فورت نوكس» في الولايات المتحدة، منذ ثمانينيات القرن الماضي، وبقرار من الحكومة اللبنانية لحمايته، فإن الدائنين يراهنون على اتخاذ قرار قضائي بتحصيل حقوقهم، بحجز كمية الذهب الخاضعة للسيادة الأميركية، والتصرف بها. وفي ضوء تطور العلاقات الدولية، تبدو هناك صعوبة في قدرة لبنان على استرداد «ذهبه» الموجود أمانة لدى الولايات المتحدة، لأن قرار الإفراج عنه مرهون بتطور العلاقات بين بيروت وواشنطن، مع العلم أن عدة دول لم تفلح في استرداد ذهبها من أميركا، منها: هولندا (2015)، وألمانيا (2016)، وتركيا وفنزيلا (2018). *كاتب لبناني

مشاركة :