ثمة تيمات أساسية تعتمدها مجموعة "الموسوم" للقاص والروائي أحمد الحلواني، والصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، فيلوح جدل الحياة والموت، الرغبة والزهد، الصخب والعزلة. وثمة روح أسيانة دائما، محاصرة بين الممكن والمستحيل، الفعل والعدم، الحياة والموت، الموت الذي يظهر كثيرا في المجموعة ليس بوصفه فكرة فلسفية، ولكن بوصفه تعبيرا عن ميتافيزيقا الحضور والغياب، جدل النفي والوجود، وخاصة في القصص الأخيرة من المجموعة والتي ينتظمها خيط واحد بدءا من قصة (الغيرة)، ووصولا إلى قصة (الأعمال بالنيات).تُظهر المجموعة احتفاء بالعادي عبر تمثله على نحو مدهش، فيصير الموت دراما لحضور مثقل بالفقد والدهشة معا، وتصير الحياة ذاتها لعبة ممزقة بين العادي والعجيب. ويقدم المألوف على نحو غرائبي، واللافت أن ذلك لا يتم عبر طاقة الخيال الجامح ولكن اتكاء على أساسيين أحدهما يتصل بتفسير الواقع على نحو ميتافيزيقي، والآخر يتصل بالتناص مع الموروث الشعبي بدءا من قصة "الموسوم" التي تحيل إلى قصة الرجل الذئب، القابع في عزلته الجبرية عبر كلمات الجد الراحل، والاختيارية عبر قناعته بضرورة الإمساك بالسر مهما حدث. ومن ثم يصبح التحول الدرامي متمثلا في قدوم سيدة جميلة تستغيث بالبيت الوحيد في آخر البلدة. ويصبح "المخاوي" الوحيد في القرية ممزقا بين تركها أو إنقاذها. وحينما يغلق الباب لأول مرة يعود لفتحه مجددا، وتنتعش الرغبة داخله صوب امراة ذات نهد نافر يحملها معه إلى السرير، محيلا الذئاب المتربصة به وبصاحبته إلى الصمت المطبق. وحينما تستيقظ تجد الرجل وقد صار ذئبا باسطا ذراعيه صوبها في نهاية فانتازية بامتياز.تحتفي المجموعة بالنهايات المعتمدة حينا على تكنيك المفاجأة كما في قصة "النعي"، حيث الرجل الذي ينعي نفسه ليستريح أولاده الباحثين عن حلم الميراث السريع، والذين يحاولون استدراك ما فات عبر استعادة الأب من جديد، عبر حوار قصصي محتدم ينتهي بضابط الشرطة يقرع الجرس كي يعلن العثور على جثة الأب. وتصبح لحظة التنوير ممثلة في هذا الوافد الجديد، وهنا تلعب الشخصيات وتقاطعها دورا مؤثرا في بنية القص. يبني الكاتب قصته "اسمه يحدق بي" على مرجع الضمير الغائب فيشير إلى الشخصية المركزية في القصة، مراد التركي الساذج المرابط إلى جوار قبر أبويه، وتظهر هنا وحدات ثلاث: السارد، الأخ، مراد. ويجدل الكاتب بين الغياب والحضور فيما يتصل ببطله المركزي مراد الذي يجد اسمه على شاهد القبر الذي تختفي عنده القطة السوداء أيضا.يبدو السارد البطل هنا موزعا بين الحلم والحقيقة، الغياب والحضور، اليقظة والنوم. ويبدو التعويل على عوالم آخرى تؤثر في حركة الواقع المعبش مثلما نرى في قصة "الجعران الأخير" التي يوظف فيها القاص الميثولوجبا القديمة والتداول الشعبي لها.وفي "السمكة" يبدأ الكاتب من الواقع إلى الخيال، وتنفتح طاقة التخييل من المزج بينهما، ومن الانتقال السلس عبر دوائر السرد من حلقة السمك، للسمكة، لخاتم الجني، وهكذا.ثمة واقع ينهض على الخلط في "الشيخ حبهان" الذي يضاجع الفتاة/ الساردة التي تود طرد الجني من جسدها كما يخبر حبهان أمها، بينما لو فتحت الفتاة مسامها بحق للوعي والحرية لما وقعت فريسة لعماد أو الطبيب أو لحبهان ممن استغلوها. واقع مشوش ومضطرب يفتقد البشر فيه للعقل النقدي، فتأتي النصوص- ومن ثم- تعبيرا عن عقل جمعي بحاجة إلى مراجعة. لا تعري القصص واقعها ولا تسائله. فحينما تقدمه تبدو مثل عين كاميرا في قصص كثيرة تصنع التشويق الدرامي في نهاية الحكاية.وفي "لقاء الأربعين" نرى الصديق المروي عنه الموزع بين الحضور في الذاكرة والغياب في الواقع. والذي يذهب الراوي لزيارته بعد لقائهما منذ ثلاثة أيام ليكتشف أنه قد مات منذ أربعين يوما والورقة التي منحها إياه لم تكن رقما لهاتفه ولكن للسيارة التي صدمته. تبدو رؤية العالم في قصة "لن تفهم شيئا" كلاسيكية، ورمزية العصا القديمة دالة عليها، وتبدو الشخصية القصصية هنا موزعة بين واقعها وما تريد أن تكونه.يتجلى ميراث الموت في قصة "المقبرة"، والحكايات الشعبية المتواترة عنه، ويبدو السارد متورطا في حكاية بطلتها المركزية هي الجدة التي تفرح لأن المقبرة ستغلق بعد أن أخذت ثلاثة في وجهها، غير أن الموت يلحق بها أيضا في النهاية ( نهاية النص/ العالم).تمثل "عاتقة" في القصة التي تحمل الاسم ذاته (عاتقة) وجها آخر لحبهان، وينتهي النص انتهى بالمضاجعة أيضا، في إحالة لتراث الميثولوجيا المعبأ بالعلاقة بين الجسد والسحر.يوظف الكاتب تكنيك المفاجأة في قصة (الغيرة)، ويقدم لقصصه أحيانا بمقاطع شعرية أو نصوص موازية من شمس التبريزي، في مجموعة قصصية تنطلق من الواقع إلى نقيضه، ومن المرئي إلى اللامرئي، ومن المعلوم إلى المجهول، متعاطية مع الهواجس المألوفة بدلالاتها المعتادة، ومتكئة على خلق حال من التشويق الدرامي الذي تحفل به القصص.
مشاركة :