«شروق الشمس» لمونيه.. الطبيعة تغني للبشر

  • 4/19/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: أوميد عبدالكريم إبراهيم كان ميلاد لوحة «انطباع شروق الشمس» عام 1872، بمثابة نقطة تحول ومنعطف جوهري في الحياة الفنية للرسام الفرنسي الكبير ورائد المدرسة الانطباعية، كلود مونيه «1840-1926»؛ حيث اشتُق اسم هذه المدرسة الفنية من اسم لوحته هذه تحديداً، وكان الرسام الفرنسي أول من استخدم هذا الأسلوب الجديد في فن الرسم، ليصبح بعدها واحداً من أهم فناني عصره، إلا أن كلود مونيه الذي مات فقيراً وحاول الانتحار مراراً بسبب ذلك، وأصبحت لوحاته الانطباعية، وحتى منزله وحديقته، مقصداً ومزاراً للسياح، لم ينل الشهرة التي يستحقها إلا بعد وفاته. تعد لوحة «انطباع شروق الشمس» التي رُسمت بالزيت على القماش «48 × 63» سم، والمعروضة في متحف «مارموتان مونيه» بالعاصمة الفرنسية باريس، بمثابة ثورة على المدرسة الواقعية التي تغوص في التفاصيل الدقيقة للحياة اليومية، وفي هذه اللوحة يظهر منظر طبيعي يتكرر بشكل يومي عند بزوغ الخيوط الأولى للشمس التي تبدد ظلام ليل آخر، وعلى الرغم من أن لحظة الشروق هذه لا تدوم إلا ثوانٍ معدودة ومن ثم تتبدد، فإن شروق الشمس الظاهر في لوحة مونيه سيظل مستمراً وخالداً إلى الأبد. انعكاس دافئ تُشكل الشمس البرتقالية التي تشق طريقها وسط ضباب الصباح، مركز اللوحة، وتُلقي انعكاساً دافئاً على سطح الماء مُشكّلة إحساساً بصرياً ساحراً، كما يغلب على اللوحة مظهر عام مملوء بالضباب والغيوم، ومناطق خضراء داكنة ترمز للأشجار، وفيها تظهر حركة الأمواج والرياح، ومراكب صيد، وقد استخدم فيها مونيه ضربات حادة بالفرشاة بدت وكأنها بقع متلألئة، وبذلك ضَمِن شفافية الضوء ونقاءه، كما لم يعمد الرسام الفرنسي إلى طريقة مزج الألوان على اللوحة؛ بل استخدم الطلاء بشكله الطبيعي. جرأة الريشة تُصور هذه اللوحة بحسب خبراء الفن ميناء مدينة «لوهافر» الفرنسية، التي كانت ولا تزال رمزاً للثورة الصناعية التي شهدها الغرب في القرن التاسع عشر، وفيها سعى الفنان الفرنسي إلى الإمساك بروح الطبيعة باستخدام ألوان نقية، مع إطلاق العنان لريشته وفك أغلالها لتسترسل بكل حرية وجرأة، ولكون اللوحة مثّلت لحظة ميلاد المدرسة الانطباعية. مخاض عسير ظل الجدل محتدماً لفترة طويلة حول ما إذا كانت اللوحة تُجسد ميناء مدينة «لوهافر» الفرنسية أم لا، وقد كان هذا الشك نقطة الانطلاق لعمليات تحقيق موسعة جداً للتعرف إلى الظروف التي شهدت ميلاد هذه التحفة الفنية، وشملت إلى جانب خبراء الفن، القائمين على معرض «مارموتان مونيه» الذي تُعرض فيه اللوحة، المؤرخين المهتمين بالموانئ الفرنسية، خبراء التصوير، علماء الفيزياء والفلك والمناخ، وبعد إجراء عمليات حسابية معقدة لقياس أثر القمر في حركة المد والجزر في الميناء المذكور خلال الصباح الباكر أو عند غروب الشمس، وحساب اتجاهات الرياح في الفترة ذاتها وفي المكان نفسه، أكد الجميع أن لوحة «انطباع شروق الشمس» رسمها كلود مونيه في ميناء «لوهافر» بتاريخ 13/‏11/‏1872 عند الساعة 7:35 صباحاً. معرض الانطباعيين عُرضت لوحة «انطباع شروق الشمس» في معرض «مجتمع مجهول للفنانين والرسامين والنحاتين والنقاشين ورسامي الطباعة» والذي عُقد في عام 1874، على أنها تُصور الحياة في «لوهافر»، وعلق الصحفي والناقد الأدبي الفرنسي الشهير لويس لوروا، الذي قام بتغطية ذلك الحدث الثقافي، على اللوحة في مقال له بعنوان: «معرض الانطباعيين» نُشر في صحيفة «لو شاريفاري» آنذاك، وقال: «إن ورق الحائط كان سيبدو منتهياً أكثر من (الانطباع)». أسهمت جملة من العوامل الأخرى في بروز هذه اللوحة؛ حيث اضطر مونيه للسفر إلى لندن عقب نشوب الحرب بين فرنسا وروسيا، وهناك تفرّغ لرسم المناظر الطبيعية الساحرة، إلا أن أكاديمية الفنون الجميلة هناك رفضت أعماله، فلجأ مع عدد من فناني عصره إلى إقامة معرض خاص، وأطلقوا عليه اسم «صالون المرفوضات»، وضم ذلك الصالون الثقافي، عدداً من الأعمال الحديثة التي كان لها دور بارز في دخول فن الرسم مرحلة جديدة، وعمد كلود مونيه إلى عرض أهم أعماله في ذلك الصالون، وعلى رأسها لوحة «انطباع شروق الشمس» التي لفتت انتباه الخبراء والمختصين، من بينهم الناقد الأدبي الفرنسي لويس لوروا الذي أطلق اسم هذه اللوحة على مجموعة من هواة الرسم وأسماهم «الانطباعيون»، ليصبحوا بعد ذلك نجوماً ساطعة في عالم الرسم والنحت في ذلك الوقت. غريزة الرسم أقام متحف «مارموتان مونيه» الباريسي أواخر عام 2014 معرضاً خاصاً بلوحة «انطباع شروق الشمس» التي استمدت المدرسة الانطباعية هويتها من اسم هذه اللوحة، إلى جانب عدد من أعمال الفنان الفرنسي الكبير ورائد المدرسة الانطباعية الذي كان الرسم بالنسبة له فطرة وغريزة، وكان مونيه يرسم كل ما يحب. يرسم الطبيعة بمختلف عناصرها ودهاليزها وكل ما يتصل بها، ولم توقفه أي قواعد أو قوانين وضعية، فقد كان الرسام الفرنسي فطرياً في علاقته الوثيقة مع الطبيعة، وقد قال ذات يوم: «نحن نرسم كما يغني الطير؛ الرسوم لا تصنعها الشرائع».

مشاركة :