بعد انسحابها العام الماضي من شمال سوريا بقرار من الرئيس دونالد ترامب تحاول القوات الأميركية إعادة تثبيت نفوذها في شمال شرق البلاد من خلال استدعاء الأكراد لإعادة التحالف معهم في وقت تواصل فيه واشنطن وموسكو حرب القواعد العسكرية في سوريا. دمشق - أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن قوات أميركية قامت مؤخرا بزيارات لقاعدة الجزر العسكرية الواقعة في مدينة الرقة السورية وذلك في خطوة يرى مراقبون أنها تهدف لإعادة تثبيت النفوذ الأميركي شمال شرق سوريا حيث توجد حقول النفط. وتعد قاعدة الجزر من أكبر القواعد العسكرية التي كان يتمركز فيها جنود التحالف الدولي والتي تسيطر عليها في الوقت الراهن قوات سوريا الديمقراطية (قسد). وقال المرصد الجمعة إن القوات الأميركية أجرت زيارات مكثفة للقاعدة خلال الأيام القليلة الماضية، وسط معلومات عن نيتها العودة من جديد للتمركز هناك في إطار سعيها لإعادة تثبيت نفوذها بقوة شرق الفرات السوري. وتأتي هذه التطورات في وقت تحشد فيه روسيا بدورها في شمال شرق البلاد، في إطار تسابق بين واشنطن وموسكو للسيطرة على حقول النفط، وذلك في وقت سبق وعرضت فيه أنقرة على موسكو إدارة حقول النفط في سوريا. وكانت القوات الأميركية عمدت مؤخرا إلى إعادة استدعاء المئات من العناصر الذين كانوا يعملون معها سابقا من قوات سوريا الديمقراطية للعودة مجددا للعمل معها. ونقل المرصد السوري عن مصادر قولها إن القوات الأميركية تسعى حاليا لإعادة ترسيخ نفوذها شرق الفرات بعد أشهر من إعلان الرئيس دونالد ترامب عن سحب قواته قبل أن يتراجع جزئيا عن قراره. المئات من المقاتلين الأكراد التحقوا بالقواعد العسكرية الأميركية في دير الزور والحسكة للعمل مجدداً مع الجيش الأميركي ومع احتدام التنافس التركي الروسي في سوريا بعد إطلاق أنقرة عمليات عسكرية ودخولها في مواجهة مباشرة مع قوات الجيش السوري بات الأميركيون يخشون خسارة نفوذهم نهائيا هناك. وكان إعلان ترامب المفاجئ انسحاب قواته العام الماضي قد مهد لإطلاق تركيا عمليات عسكرية جعلت من المقاتلين الأكراد، الذين سبق لهم وأن قاتلوا إلى جانب التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، في مرمى نيران الأتراك. وعندما اشتد الصراع بين الأكراد والجيش التركي استنجدت قوات “قسد” بحكومة الرئيس بشار الأسد حيث تفاوضت معها للتحالف ضد التدخل التركي في سوريا بعد أن تم خذلانهم من قبل الحليف الأميركي. ويبدو أن الولايات المتحدة قد التقطت إشارات اقتراب مواجهة بين الروس والأتراك على الثروات السورية شمال شرق البلاد وهو ما جعلها بدورها تقوم بتحشيد في كلّ من دير الزور والحسكة. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن المئات من عناصر “قسد” قد التحقوا بالفعل بالقواعد العسكرية الأميركية في كل من دير الزور والحسكة على وجه التحديد للعمل مجدداً مع القوات الأميركية، حيث يبرز دورهم بالشق اللوجستي بالإضافة إلى تلقيهم تدريبات عسكرية من قبل الأميركيين. كما قالت مصادر للمرصد السوري بأنّ الولايات المتحدة عرضت على العائدين مستحقات شهرية أكبر بكثير من تلك التي كانوا يتقاضونها سابقا. وفي ظل وقف إطلاق النار في محافظة إدلب بعد الاتفاق بين موسكو وأنقرة يرى مراقبون أن الأميركيين والروس يتجهون نحو حرب قواعد في سوريا بينما تحاول أنقرة وطهران تعزيز نفوذهما. ومنذ بدء التدخل التركي في سوريا حاولت روسيا إقامة أكثر من قاعدة لاستغلالها في أيّ مواجهة مع أيّ طرف آخر سواء الأميركي أو التركي. وحرصت القوات الروسية نهاية العام الماضي على إقامة قاعدة عسكرية جديدة شمال شرق سوريا حيث وصلت تعزيزات عسكرية ضخمة إلى مطار القامشلي، الذي قالت مصادر في وقت سابق إن دمشق عملت على تأجيره لموسكو لمدة 49 عاما. تكتيك جديد تكتيك جديد ويرى دميتري إيفستافييف، الأستاذ في المدرسة الروسية العليا للاقتصاد، أنّ “قاعدة عسكرية روسية ثالثة في سوريا، بالطبع، ضرورية إذا كنا سنبقى في المنطقة جديا لوقت طويل، لضمان مراعاة مصالحنا عند إعادة إعمار هذا البلد”. ويرى مراقبون أن القاعدة الروسية الجديدة في سوريا تضع حدا للأطماع التركية في اجتياح مزيد من الأراضي السورية بحجة وجود قوات حماية الشعب الكردية المنضوية ضمن “قسد” وإنشاء “المنطقة الآمنة” لإعادة اللاجئين السوريين في تركيا إليها. وبالرغم من إطلاقها عمليات عسكرية متتالية إلا أن أنقرة تتوجس حاليا من وجود اتفاق بين الرئيسين الروسي والأميركي حول مصير قوات “قسد” التي تلاحقهم تركيا. وقبل أن يقرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أكتوبر سحبها، كانت القوات الأميركية منتشرة في القامشلي التي تقع على الحدود مع تركيا التي تُعدّ أكبر مدينة كردية شمال شرق سوريا. وتحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان عن عملية تقاسم النفوذ في مناطق شمال شرق سوريا، في ظل التواجد الروسي والأميركي المشترك داخل المنطقة نفسها في ظرف يتسم بتحشيد عسكري تقوم به كل الأطراف. وباتت المنطقة الممتدة من القامشلي إلى عين ديوار تحت النفوذ الأميركي، بينما المنطقة الممتدة من القامشلي إلى رأس العين ومن تل أبيض إلى عين العرب، كوباني، تحت النفوذ الروسي، أما المنطقة الممتدة من رأس العين إلى تل أبيض فتخضع للنفوذ التركي والفصائل الموالية لأنقرة، مع تواجد مُتزايد لقوات الجيش السوري في مدينة القامشلي وما حولها. وبالرغم من أن روسيا تسابق الزمن لحسم الأمور نهائيا لصالحها وحليفها الأسد إلا أن التحشيد الأميركي بإمكانه خلط الأوراق من جديد في ظل جمود سياسي بين النظام والمعارضة السورية.
مشاركة :