قالت أوساط دبلوماسية إن عودة القوات الأميركية إلى قاعدتين في شمال شرق سوريا كانت قد غادرتهما سنة 2019 تمثل رسالة مزدوجة لكل من تركيا التي تهدد بشن عملية عسكرية ضد الأكراد وروسيا التي تسعى إلى تعزيز حضورها في المنطقة. وبدأت القوات الأميركية في سوريا، منذ أيام قليلة، إعادة تفعيل قاعدتين عسكريتين في محافظة الرقة (شمال شرق)، الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد). وقالت مصادر محلية، إن القوات الأميركية بدأت في الأيام القليلة الماضية العودة إلى قاعدتين كانت أخلتهما قبل وقت قصير من انطلاق عملية “نبع السلام” التي نفذها الجيش التركي ضد الأكراد في شمال شرق سوريا في 2019. عمر رحمون: تركيا لا تتجرأ على أن تدخل إلا بموافقة أميركية وأوضحت المصادر أن روسيا تسعى إلى تعزيز وجودها في محافظة الرقة، ما أشعر الولايات المتحدة بعدم الارتياح ودفعها إلى البدء بإرسال تعزيزات عسكرية إلى “الفرقة 17″ على بعد 7 كلم عن مدينة الرقة، و”مطار الطبقة” على بعد 50 كلم من المدينة. وأفادت بأن القوات الأميركية أرسلت عددا كبيرا من المدرعات و9 عربات من المدرعة المقاتلة “برادلي”، والعشرات من الجنود إلى هذين الموقعين، تمهيدا لإعادة استخدامهما كقاعدتين ثابتتين. كما شرعت القوات الأميركية في إرسال تعزيزات عسكرية إلى “مطار الطبقة” عبر طائرات شحن. وتعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخميس، بـ”سحق رؤوس” القوات الكردية في سوريا وتوسيع العمليات ضدها، “كما هو الحال ضد حزب العمال الكردستاني شمال العراق”. وقال أردوغان، خلال اجتماع نواب حزبه في البرلمان، إن القوات التركية ستوسع عملياتها العسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في سوريا، بالتوازي مع العملية العسكرية ضد “العمال الكردستاني” في شمال العراق. وفي سوريا ينتشر الجيش التركي منذ 2016 في شمال غرب البلاد حول عفرين ومنطقة إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) وفصائل معارضة مقاتلة. وشنّت أنقرة والفصائل السورية الموالية لها ثلاث عمليات واسعة النطاق في السنوات الأخيرة (2016 و2017 و2018 وأكتوبر 2019) على طول حدودها مع سوريا، حيث يعيش عدد كبير من الأكراد، لطرد وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، التي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني، لكنها مدعومة من الولايات المتحدة. ويحتاج تحرك عسكري تركي للسيطرة على مدن وبلدات استراتيجية في سوريا، إلى تفاهمات سياسية ممهدة مع الأطراف الدولية الفاعلة، وهو ما ليس متحققا الآن. ورغم التهديدات التركية المتواصلة بتنفيذ هجمات شمالي سوريا، يستبعد محللون إقدام أنقرة على مثل هذه المغامرة دون ضوء أخضر أميركي. وتخضع المعادلة العسكرية في سوريا لحسابات الدول التي لها جيوش على الأرض وتتقاسم النفوذ فيها، إضافة إلى أن العلاقة التركية - الأميركية في أسوأ حالاتها. ويوجه المسؤولون الأتراك وعلى رأسهم أردوغان انتقادات حادة للولايات المتحدة بسبب دعمها المتواصل لقوات قسد، التي كانت قد ساهمت إلى حدّ كبير في القضاء على وجود تنظيم داعش في مناطق الشمال والشمال الشرقي من سوريا. ويرى الباحث السياسي رضوان أوغلو أن “العمليّة لا يمكن لها أن تبدأ دون موافقة الولايات المتحدة، والتي يبدو أنها لن تقبل بهذه العمليّة وفق الظروف الراهنة”. ويرى محللون أن العائق الذي يقف أمام تركيا ليس عسكريّا، حيث إنها تمتلك المعدات العسكرية اللازمة لبدء المعركة في شمال سوريا تزامنا مع التعزيزات العسكريّة التي استقدمتها، وإنما العائق بالدرجة الأولى هو انتظار الوصول إلى توافقات مع الجانبين الأميركي والروسي. ويقول العضو في هيئة المصالحة السورية سابقا عمر رحمون “تركيا لا تتجرأ على أن تدخل إلا بموافقة أميركية”. ولروسيا مصالحها الخاصة في المنطقة، وهي لا تتوافق دائما مع مصالح تركيا. وتسعى أنقرة إلى السيطرة على المنطقة الواقعة جنوب كوباني من أجل ربط المنطقتين الخاضعتين لسيطرتها ولتحصل على موطئ قدم في شمال سوريا. والهدف الثاني الأقل وضوحا لأنقرة هو تغطية وكلائها في إدلب من ضربات محتملة لدمشق.
مشاركة :