تميم الداري، رضي الله عنه، كان نصرانياً، وكان قد سمع بعض أحاديث النبي، صلى الله عليه وسلم، التي أخبر فيها عن بعض أمور الغيب، لكنه لم يغير عقيدته، ثم ركب سفينة في رحلة بحرية طويلة فعصفت بهم الأمواج لمدة شهر، ورسوا بعدها في جزيرة مجهولة، شاهدوا فيها ما كان يتحدث عنه نبينا، صلى الله عليه وسلم، فلما عادوا ذهب تميم الداري إلى النبي وأعلن إسلامه، فرقى النبي المنبر وكان فرحاً وأخبر الجميع أن تميماً أسلم عندما شاهد بعينيه حقيقة ما كان يحدّث به النبي من أخبار. ويدل هذا الحديث الذي رواه مفصلاً الإمام مسلم في صحيحه أن الوقائع والأحداث كفيلة ببيان حقيقة الأنبياء ومصداقيتهم، مما أقنع تميم بالإسلام عندما رأى الحقائق بأم عينه. وحريٌّ بنا اليوم أن نتأمل الدراسات والتحليلات والتوقعات التي يدلي بها الاقتصاديون والسياسيون والمدعون أيضاً ونعرضها على الواقع لكي نرى مدى مصداقيتهم وصحة تحليلاتهم. فقد أثبتت الدراسات، حتى قبل غزو كورونا للأرض، خطر الاعتماد بعد الله على مصدر وحيد للدخل وهو النفط الذي يتعرض للنضوب وارتفاع الأسعار وانخفاضها، وأيضاً للتقلبات الاقتصادية، وقد نبه كثير من الاقتصاديين إلى هذا الخطر، ولكن للأسف قوبلت تحذيراتهم بالهجوم والسخرية وعدم الاكتراث من قبل المجلس والحكومة، وتم إهمال كل الإصلاحات الاقتصادية إلا ذلك القليل الذي طرحناه في مجلس الأمة بجهود ذاتية بفضل الله، واستمرت بعض الحكومات السابقة والغالبية في المجلس في طرح الاقتراحات الاستنزافية والشعبوية، وهكذا تضخم الصرف إلى أن جاءت حرب المنتجين وانخفاض أسعار النفط، فانخفض دخل الكويت انخفاضاً كبيراً، وعانت ميزانيات السنوات الخمس الأخيرة عجوزات مالية كبيرة. وفي حين جاء خبر تميم الداري من البحر، جاء خبر كورونا من الصين، فأظهر للعيان واقعاً من الحقائق والأخبار الصحيحة المؤلمة، فانخفضت الإيرادات أكثر فأكثر حتى أصبح الوضع يهدد المعيشة اليومية للمواطنين، فطفق الجميع بعدما تبينت لهم الحقيقة الآن يبحثون عن الحلول التي تُخرج الميزانية من عجزها، ولكن هل سيسلم من كان ينكر حقيقة الوضع المالي والاقتصادي بخطئه ويعترف بوجود ما فيهما من اختلالات هيكلية، ويبدأ بالإصلاح، أم سيعود إلى ما كان فيه قبل الأزمة من هدر وصرف وإعراض عن الإصلاح؟ ذكرني البحث الذي يقوم به بعض الإخوة النواب الآن عن مصادر مالية لسد عجز الميزانية من أرباح مؤسسة البترول وصندوق التنمية وإدارة الجمارك واحتياطي الأجيال بالمثل المصري القديم الذي يقول: "الخواجة لما يفلس يدور في دفاتره القديمة". إن الإيمان والتصرف المطلوب بعد أن بينت أزمة كورونا وأزمة النفط الحقائق وشاهدها الجميع بأم عينهم هو التصديق أولاً بحقيقة الاختلالات الموجودة، ثم المسارعة إلى تبني إصلاحات جذرية لتعديل هذه الاختلالات الهيكلية الخطيرة في الميزانية، مثل ضغط المصروفات، وتنويع مصادر الدخل، لا مجرد الأخذ من إيرادات الهيئات المستقلة التي لن تكفي إلا سنة واحدة أو اثنتين، مع أن مشاركة هذه الجهات مطلوبة إلى درجة معينة، بحيث لا تتعارض مع مشاريعها وبرامجها. على كل حال ستبين لنا الوقائع والأحداث في المستقبل القريب الإجابة عن السؤال المهم وهو: هل ستقوم الحكومة وسيقوم المجلس بالسير على منهج تميم الداري الذي عرف الحق وقام بإصلاح طريقه؟ أم سيسيرون على خطى الخواجة الذي لا يزال يبحث في دفاتره القديمة؟
مشاركة :