كورونا كشف وسوف يستمر في الكشف عن أسئلة أكبر، فالإنسان وصحته سوف يكونان المادة السياسية، العالم اليوم سوف يخضع بالتأكيد لمرحلة تغيير، وأخيراً تبدو الفرص أكثر من غيرها للدول التي تمتلك الطاقة والاستقرار.. لقد غير كورونا نظرة العالم إلى النظام الصحي والأمني في الدول، فلم تعد أطروحة التقدم والتطور قابلة للتصديق المطلق بل أصبحت الأسئلة كبرى حول من المتطور ومن غير المتطور؟ هذا السؤال النظري يغوص في عملية تقييم شامل لماهية تميز الدول بعضها عن بعض، فخلال أزمة كورونا بدا واضحاً أن العولمة لم تكن خطأ رأسياً يصب الثقافة الغربية في رحم الثقافات العالمية كما تصورناه، فقد ثبت أن من ضمن ما سوف يغيره هذا الوباء تلك النظرة عن التناسب في قوة الدول حتى وإن كانت تلك الدول تعتبر من دول العالم الثالث. ليس هناك من شك أن كورونا اختبر كل شيء تقريباً في الحياة البشرية، وبينها الدول فقد اختبرت السياسة واختبرت الاقتصاد واختبرت الثقافة واختبرت الحياة المجتمعية بكل تفاصيلها؛ بل واختبرت الشعوب التي أثبتت أن الخوف من المرض قادر على تغيير سلوك تلك الشعوب وتحديد الأولويات بعيداً عن دور السياسة، وهذا ما يحدث في دول كثيرة ومنها أميركا التي يخوض رئيسها منافسة حادة مع حكام ولايات أميركا حول إعادة الحياة إلى طبيعتها الاقتصادية حتى لا تموت السياسة العالمية مخنوقة بحبل الاقتصاد ومكفنة بالنظام الصحي وممددة على نعش يحملة الأمن في دول العالم. لقد ارتبكت الدول في كيفية تقديم نفسها، وكانت الدول المتنافسة عالمياً والمؤهلة لقيادة العالم سياسياً واقتصادياً تبحث عن تميزها، ولكنها لم تعثر على أهم مقومات التميز في زمن كورونا، والمتمثلة في النظام الصحي بالدرجة الأولى، فكم فقد وزراء الصحة مناصبهم في كثير من دول العالم، وظهرت المشكلات حتى في أقوى دول العالم، لقد أثبت القرار السياسي الغربي تحديداً أنه أكثر ارتباكاً عندما تكون الأزمات فعلية وتهدد البشر، وهذا ما سوف يغير الكثير من الأطروحات حول النظريات المستجدة التي سوف تخلق من جديد مثل (كوفيد-19). بسبب كورونا لماذا مات الناس أكثر في الغرب؟ هذا سؤال لن يذهب سدى بعد الأزمة، ولماذا سيطرت دول تعتبر من العالم الثالث على خارطة هذا الوباء بأنظمة صحية لا تقاس بتلك الدول المتقدمة؟ ليس هناك من شك أن الأسئلة كثيرة؛ فالبشرية تكتشف مع هذا الوباء أن الإنسان مازال يتعلم كيف يدير نفسه، ولم يصل بعد إلى مسار يمكن من خلاله إثبات أن ذلك النموذج هو المثالي والأحسن كما يقول فكوياما في كتابه نهاية التاريخ عن الليبرالية الحديثة وديموقراطيات الغرب. لقد أثبت كورونا أن علاقة الأنظمة السياسية بشعوبها تمتلك معايير متفاوتة بين دول العالم، فالنماذج الغربية ذات العقلانية المفرطة في تقييم الإنسان كإحدى أدوات الإنتاج، تفاجئنا بأنها لا تبدي ذلك الاهتمام بالإنسان كإحدى أدوات إنتاجها التي تسيطر بها على العالم، كل الأنظمة تريد أن تعود عجلة الاقتصاد وتريد أن تسمع هدير المصانع، ولكن الإنسان لا يحصل على الصيانة الدورية المهمة لعودته إلى خط الإنتاج، لنفكر بخيال مفتوح حول تلك الأسئلة التي سوف تسوقها أزمة كورونا حول الإنسان والعولمة والرأسمالية وصراع الأقوياء ونظريات عالم متقدم وعالم متأخر، على الجانب الآخر يجد الإنسان في دول العالم الثالث فرصة أكبر لمحاربة كورونا بالتعاون مع أنظمته السياسية، مع أنه قد لا يوازي إنسان الغرب في معايير الإنتاجية، هذا سؤال مهم يحتاج إلى فهم أعمق وطرح أكبر. كورونا مفتاح الأسئلة الكبرى وليس مجرد وباء سوف يموت قريباً على منحدر منحنى الوباء الذي يتحدث عنه الأطباء، كورونا درس تاريخي قاسٍ؛ الكل تعلم منه بالطريقة التي يدركها، وأعود للتأكيد على أن القوة الدولية سوف تصبح مساحة أفقية واسعة، فلن يخضع العالم مرة أخرى إلى تفوق الأقطاب وتقاسم القوة بالتبعية، لن تكون خيارات الدول مجبرة على أن تكون مع الصين أو أميركا أو روسيا أو الهند أو الخليج أو أي قوة في العالم. السياسة الدولية سوف تجيب على أسئلة مهمة وحتمية، وسوف تفعل دول العالم كلها ذلك، هناك أسئلة ملحة حول تغير أشكال النزاعات الدولية، كورونا كشف وسوف يستمر في الكشف عن أسئلة أكبر من هذه، فالإنسان وصحته سوف يكونان المادة السياسية، العالم اليوم سوف يخضع بالتأكيد لمرحلة تغيير، وأخيراً تبدو الفرص أكثر من غيرها للدول التي تمتلك الطاقة والاستقرار.
مشاركة :