حلقة مفقودة في استراتيجية محاربة فيروس كورونا في سنغافورة

  • 4/21/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الوباء ظاهرة عالمية بامتياز، ولا أحد يحمل طابعاً عالمياً بقدر العمال المهاجرين، فتشمل سنغافورة اليوم 1.4 مليون عامل أجنبي في حين يبلغ مجموع اليد العاملة فيها 3.7 ملايين، يعمل من بينهم 981 ألف عامل بأجور منخفضة وبتأشيرة مؤقتة، ولا يزال عدد كبير منهم موجوداً في سنغافورة رغم توقف العمل. يعتبر المراقبون الدوليون سنغافورة قصة نجاح في طريقة إدارة الوباء، لكنّ نطاق هذا النجاح في أوساط العمال المهاجرين ليس مؤكداً، وفي 6 أبريل الجاري اعتبر موظف حكومي بارز، في منشور له على فيسبوك، مساكن المهاجرين "قنبلة موقوتة توشك على الانفجار"، وكان يشير في كلامه إلى العمال المحجورين في مهاجع بعدما اكتشفت السلطات تناقل فيروس "كوفيد-19" بينهم، وحتى الآن بَنَت الحكومة أسواراً حول أربعة مهاجع فيها 50 ألف عامل، لكنها تحمي بذلك السكان المحيطين بتلك المواقع وتجازف بصحة المهاجرين. هذه ليست المرة الأولى التي تتعامل فيها حكومة سنغافورة مع العمال المهاجرين كتهديد يجب احتواؤه، في عام 2013 قُتِل عامل مهاجر هندي في حادث حافلة، فردّ 400 عامل بطريقة عنيفة على ما حصل، ثم فرضت الحكومة حظراً سريعاً على الكحول ليومين في المناطق المجاورة، واليوم لا تزال مبيعات الكحول ممنوعة في المنطقة، وفي المقابل بُنيت منشآت في المهاجع للترفيه عن العمال المهاجرين بعيداً عن الأماكن العامة، لكن فيروس "كوفيد-19" جاء الآن ليؤجج المخاوف نفسها حول ضرورة حصر هؤلاء العمال في مساحات محددة. يحتدم النقاش حول العالم بشأن درجة الثقة بالحكومات ومكانة العائلة والأصدقاء في ظل الأزمة القائمة، لكن تنقلب المعايير في مسألة هجرة العمالة، ويفرض الوباء على العمال المهاجرين أن يثقوا بحكومات غير مرتبطة ببلدانهم الأصلية ويتواصلوا مع أفراد عائلاتهم عن بُعد، علماً أن الوصول إلى خدمات الإنترنت يبقى محدوداً. في الوقت الراهن تُركّز الدول حول العالم على شؤونها الداخلية، وتسعى إلى حماية أكثر الجماعات ضعفاً، فقد حاولت سنغافورة بدورها أن تحمي كبار السن والعاطلين عن العمل، لكنّ التركيبة السكانية فيها فريدة من نوعها: يكون شخص واحد من كل أربعة عمال جزءاً من المهاجرين ذوي الأجور المنخفضة. إنها جماعات معرّضة لمخاطر استثنائية لكنها لا تدخل في خانة المواطنين، كذلك يتحدد مستوى المخاطر المرتبطة بفيروس كورونا بحسب العمر وجهاز المناعة، لكن تخفي هذه المعايير تفاقم المخاطر الأخرى التي يتعرض لها العمال المهاجرون، منها عدم استقرار العمل والمشاكل النفسية والاستغلال، لذا لا يتماشى تعريف الصحة التقني والمحدود مع تفاصيل الحياة اليومية، وتسارع وسائل الإعلام الإخبارية إلى نشر أنباء عن النماذج الوبائية والتقدم العلاجي، وكأن هذه المسائل تكفي لمواساة الناس، لكن يختلف الوضع عند النظر إلى حياة المعزولين والرعاية التي يستفيدون منها. على المجتمعات أن تعيد تعريف استراتيجيات التحكم بالوباء على نطاق أوسع، فلا يميّز "كوفيد-19" بين المهاجرين والمواطنين، لذا يحتاج العمال المهاجرون إلى الاستفادة من استراتيجيات التباعد الآمن بقدر الآخرين، لكن قد يترافق فيروس كورونا والمقاربات المعتمدة لاحتوائه مع آثار معاكسة في هذه الجماعة الضعيفة، ويفرض هذا الوضع على الحكومات أن تتعامل مع الوباء تزامناً مع تقييم تداعياته على معيشة العاملين المهاجرين وصحتهم. يجب أن يستفيد هؤلاء العمال من تدابير معينة لحماية أجورهم وتلبية حاجاتهم الأساسية من الغذاء والراحة، ولن يكون تحميل هذه المسؤولية لأرباب العمل كافياً، إذ يواجه هؤلاء بدورهم فترة صعبة، وتفوق الضرائب التي يدفعها أرباب العمل لتوظيف العمال المهاجرين في سنغافورة عتبة المليارَي دولار سنوياً، وتستطيع هذه المبالغ أن تموّل خطط الرعاية بالعمال في هذه المرحلة. في النهاية، يكشف وضع العمال المهاجرين محدودية المستفيدين من "قصة نجاح" سنغافورة في محاربة فيروس كورونا، ويرصد الفئات المستبعدة منها، وللأسف تطغى المصالح التجارية دوماً في نظامٍ يسعى إلى تحقيق النمو ولو على حساب صحة العمال.

مشاركة :