نجح رئيس الوزراء العراقي المكلف مصطفى الكاظمي حتى الآن في أن يتحلى بنوع من رباطة الجأش أمام مساومات وشروط الكتل والقوى السياسية، في مقابل فشل كل القوى والكتل السياسية في الحفاظ على ما تعهدت به في حفل التكليف قبيل قراءة سورة الفاتحة بعد فاصل التصفيق الطويل. وبينما مضت من مهلة التكليف عشرة أيام، فإن الكاظمي، ووفقا لكل الدلائل، قطع شوطا كبيرا سواء في استكمال كابينته الوزارية أو مباحثاته مع الكتل والأطراف السياسية بما في ذلك الدخول في بعض تفاصيل الوزارات السيادية منها والخدمية. والفارق بين الاثنين أن السيادية «الخارجية والمالية والدفاع والداخلية والنفط» توزع على أساس المكونات «الشيعة والسنة والكرد»، بينما الخدمية توزع على الكتل البرلمانية طبقا لاستحقاقها الانتخابي. في سياق ذلك لم يظهر أي دخان من القصر الحكومي الذي اختاره الكاظمي مقرا لإقامته بدلا من دار الضيافة الذي لم تكن «عتبته» طبقا للموروث الشعبي العراقي صالحة، خصوصا أنه أفشل مهمة مكلفين سابقين هما محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي. التكهنات عبر التصريحات التي يطلقها النواب وبالونات الاختبار الجارية على قدم وساق بما في ذلك حرب تسريبات القوائم الوزارية هي التي يتم تناولها عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. لكن الطريف في الأمر أن آخر ما تسرب من قائمة وزارية تضم أسماء غريبة مثل نابليون بونابرت وزيرا للدفاع وهنري كيسنجر وزيرا للخارجية، وألبرت آينشتاين وزيرا للتعليم العالي وتوماس أديسون وزيرا للكهرباء ما عكس مدى سخرية العراقيين مما يجري من تنازع على المناصب الوزارية في وقت بات يصعب على الحكومة دفع رواتب الشهرين المقبلين. إلى ذلك دعا الرئيس العراقي برهم صالح إلى تشكيل حكومة تمثل كل العراقيين. وأكد صالح خلال استقباله وفد حكومة إقليم كردستان الذي يزور بغداد على ضرورة التشاور والتنسيق بين جميع الأطراف والقوى السياسية بشأن تشكيل حكومة جديدة تمثل جميع العراقيين وتكون قادرة على تلبية المطالب المشروعة، وتحقيق الإصلاحات المطلوبة. وشدد صالح طبقا لبيان رئاسي على «أهمية الاستناد إلى الدستور والمصلحة الوطنية بشأن حل المسائل العالقة بين الحكومة الاتحادية والإقليم، والوصول إلى رؤى مشتركة تذلل العقبات أمام توفير الخدمات الضرورية، وتحفظ حقوق العراقيين كافة». كردياً أيضا، أكد رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني في مؤتمر صحافي عقده في أربيل أمس أن «ترشيح الكاظمي تم من قبل القوى الشيعية التي حضرت جميعاً خلال تكليفه من قبل رئيس الجمهورية»، مؤكدا دعم الكرد للكاظمي في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة باسم جميع القوى الكردستانية. في مقابل ذلك حذر زعيم ائتلاف الوطنية ورئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي مما سماه سخطا شعبيا قادما في حال لم تأخذ القوى السياسية ما يجري على محمل الجد. وقال علاوي في تغريدة له على موقع «تويتر» أمس إنه «يتوجب على قوى السلطة أن تهيئ نفسها لسخط شعبي سيُسقط عملية سياسية مريضة». وأضاف علاي «نخشى أن يكون تقاسم المواقع مقدمة لإهمال تمثيل النقابات والاتحادات المهنية، وتجاهل مطالب المتظاهرين الذين بذلوا أرواحهم لتحقيق الإصلاح الشامل».وحول ما إذا كانت المفاوضات التي تجريها الكتل السياسية مع الكاظمي تسير في سياقها الصحيح يقول عضو البرلمان العراقي عن تحالف القوى العراقية عبد الله الخربيط لـ«الشرق الأوسط» إن «الكاظمي كونه رجل مخابرات فإنه لا يخضع في العادة للتشويش الإعلامي الذي تحاول بعض الكتل السياسية خلقه للتأثير عليه»، مبينا أن «تحالفنا دعم الكاظمي وأجرى معه مباحثات ناجحة والرجل بدوره يعرف أن تحالف القوى العراقية الذي يتزعمه محمد الحلبوسي هو مركز الثقل الذي لا يمكن تجاوزه عند حساب حقوق المكونات أو الكتل طبقا لأوزانها الانتخابية». وأوضح أن «هناك من حاول استجداء الكاظمي لكن مثل هذه الأساليب لن تصمد عند إجراء المباحثات مع من يملك الثقل والتأثير وليس التحالفات الطارئة التي تحاول ركوب موجات فقط».في سياق ذلك، حذر الباحث في الشؤون الاستراتيجية الدكتور هشام الهاشمي رئيس الوزراء المكلف من الوقوع في متاهة خطابات المكلفين بمن فيه خطابه هو الآخر. وقال الهاشمي لـ«الشرق الأوسط» إنه «بعد استقالة عادل عبد المهدي تكلفت ثلاث شخصيات لرئاسة مجلس الوزراء ركز خطاب تكليفهم على إخفاقات تراكمت على الصعيدين الاقتصادي والأمني، وبحسب نصوص الخطابات، السبب المشاهد هو تقوقع الأحزاب المسيطرة على مصالحها الضيقة». وبين الهاشمي أن «مضامين خطابات المكلفين لم تخل من الشعارات التي تحاكي حماسات المحتجين الذين يبحثون عن العدالة الاجتماعية، شعارات تحدثت عن التنمية وحفظ الحقوق والحريات، بالمقابل لا توجد قدرات لتنفيذ تلك الشعارات، لا أحد يشكك بالإرادة الصالحة للمكلفين، ولكن الفعل يحتاج إلى قدرة حتى يكون واقعا».
مشاركة :