برلين - أحيانا يتسع المكان لكرسي صغير، وأحيانا أخرى لغرفة معيشة في الهواء الطلق، غير أن قيمة كل متر مربع صارت تُقَدَّر بالذهب في هذه الأوقات من الحجر الصحي. ويمكن لأولئك الذين لديهم شرفة أن يعتبروا أنفسهم محظوظين، لأن جائحة كورونا أدت إلى تقليص شديد في ممارسات الحياة اليومية. ولقد أصبحت الشرفة بالنسبة للأشخاص في الحجر الصحي أو الخاضعين لحظر التجول، بمثابة قطعة الحرية الوحيدة خارج الجدران الأربعة. كما أصبحت الشرفة في أزمة كورونا بمثابة مكان من نوع خاص بالنسبة لكثيرين آخرين، إذ صارت لها الآن عدة وظائف. منذ جائحة كورونا، كانت أصوات الموسيقى تُسْمَع من الشرفات والنوافذ في بداية الأمر في المنطقة الواقعة بين بين ميلانو وصقلية، وصار الأمر كذلك في ألمانيا الآن. فترى الناس يغنون ويعزفون لمواجهة الأزمة، فيمسك محترفو الموسيقى وهواتها بآلاتهم في آن واحد ويعزفون على سبيل المثال سيمفونية “أنشودة الفرح” لبيتهوفن. كما دعت الكنيسة الإنجيلية في ألمانيا الناس إلى غناء أنشودة “طلع القمر” من شرفاتهم أو نوافذهم أو حدائقهم في مساء كل يوم عند الساعة السابعة. أو أن يقف الناس في شرفاتهم ليصفقوا بشكل رمزي لطاقم التمريض. وكيف يعرف المرء بهذه الإجراءات؟ عبر الفيسبوك أو الإنستغرام أو الواتساب أو بشكل تقليدي عن طريق ورقة معلقة في ردهة المنزل. الشرفة ذات المظلة وارتداء النظارة الشمسية مع ظهور شمس الربيع بشكل جلي، هكذا تظهر العديد من الصور أو مقاطع الفيديو على الفيسبوك وغيرها من وسائل التواصل هذه الأيام، ويبدو من هذه الصور أن القلق قد تراجع إلى الوراء. لقد أصبحت الشرفة الآن هي المكان الذي تقضي فيه أيام الإجازة من العمل أو حتى العطلات (الترفيهية)، وقد أصدرت الحكومة الاتحادية تحذيرا من الرحلات الخارجية حتى نهاية أبريل على الأقل، كما تم إغلاق الجزر الألمانية المفضلة، سواء كانت “زيلت” أو “روجن” أو “فور” أمام السائحين. إنه الثامن عشر من مارس، ووزير المالية أولاف شولتس ليس في الوزارة، ولا في الطائرة أو في موعد. “اليوم أقوم بمهامي في مكتب منزلي بعدما استيقظت وجدت أنني مصاب بنزلة برد شديدة. وعلى سبيل الاحتياط، سأخضع للاختبار، ولا يخلو هذا الأمر من أهمية في هذه الأوقات” هكذا كتب على صورة حيث تظهر طاولة الشرفة وعليها كوب وجهاز كمبيوتر، مضيفا، “كأثر جانبي صغير، يمكنني الجلوس في الشمس أثناء العمل. حافظوا على صحتكم!”. أراد يواخيم فرانك، أنجح مدرب ألماني للتزلج السريع، أن يحتفل بعيد ميلاده الثمانين في شهر مارس برحلة إلى دريسدن (التي تقع على نهر إلبه). ولكن ذلك لم يحدث بسبب حظر السفر في زمن كورونا. وقال المدرب اليوبيلي، قبل أيام قليلة من عيد ميلاده، “قد أجلس الآن على الدراجة الرياضية وأحافظ على لياقتي، وإذا كان الطقس على ما يرام، سأجلس في الشرفة”. ووجد إليشا نوخوموفيتس من مدينة تولوز الفرنسية حلا، حيث تحولت شرفته إلى مضمار للجري، إذ يبلغ طولها سبعة أمتار ويزيد عرضها عن متر، حيث سار الفرنسي جيئة وذهابا في سباق “ماراثون من شرفتي” تقريبا لمدة سبع ساعات تقريبًا، كما وثق نوخوموفيتس على انستغرام، وقال إن “أفضل طريقة لعدم الشعور بالحزن هي ممارسة الرياضة”. كما اعترف رياضي التحمل “كل شيء يدور في رأسي وأريد أن أفرغه”. آلت ملكية الفناء الداخلي المهجور في منطقة برلين-كرويتسبرج بالكامل إلى الحيوانات، الآن القط الأسود رودولف يطارد سنجابًا. فينقذ السنجاب نفسه متسلقا شجرة. وبعد وهلة يُعْرِض القط عن المطاردة ويعود مسرعا إلى طعامه المعلب. لكن السنجاب لا يزال في خطر إذ يقترب غراب. ويهاجم الحيوان القارض الذكي، مرارا وتكرارا. ثم يأتي غراب ثان ويهاجم الطائران السنجاب، الذي ينقذ نفسه ويقفز متعرجا على العقار المجاور. في هذه الأثناء، يعود القط رودولف من الغداء. ويطارد قطا آخرا. وبوسع من يقضي الكثير من الوقت في الشرفة بسبب كورونا أن يرى عالمًا جديدًا.
مشاركة :