الرباط ـ تدعيما للجهود الوطنية المبذولة من أجل الوقاية والاحتراز من فيروس كورونا كوفيد 19، وحرصا من فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بسيدي قاسم على استمرار أنشطته الثقافية، والعلمية الهادفة إلى صيانة وحفظ الذاكرة التاريخية الوطنية والمحلية، وفي ظل تعليق الأنشطة الثقافية الحضورية بجل القطاعات الثقافية بالمغرب، كان للفضاء قصب السبق في مجال التنشيط الثقافي عن بعد تماشيا مع استراتيجيته، ودوره البارز في محيطه السوسيوثقافي الذي يهدف الى حفظ، وصيانة الذاكرة التاريخية الوطنية المحلية، وتفاعلاتها مع ذاكرة الشعوب الصديقة، والشقيقة بغية نشر قيم المواطنة والوطنية الحقة في المجتمع. وهكذا انكبّ الفضاء على تنظيم برنامج "قضايا تاريخية"، الذي يضم سلسلة من المحاضرات والمداخلات العلمية عن بعد أسبوعيا، لنخبة من الأكاديميين المشارقة والمغاربة، وقد تم بثها على صفحتي المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وصفحة فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بسيدي قاسم على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، والتي استقطبت الالاف من المتابعين أسبوعيا.شارك في برنامج شهر مايو/آيار نخبة من الباحثين المشارقة والمغاربة، حيث استهل الفضاء أنشطته بمحاضرة افتتاحية للمؤرخ المصري الدكتور إسماعيل حامد علي، أستاذ بجامعة القاهرة في موضوع "العلاقات الروحية بين المغرب ومصر في العصر الوسيط"، وذلك يوم الخميس 7 مايو/آيار 2020 ابتداء من الساعة العاشرة ليلا، سلّط خلالها الضوء على مسار هاته العلاقات التي طبعت البلدين من خلال تواجد مجموعة من المقومات المشتركة، سواء الجغرافية منها لكونهما ينتميان للقارة الأفريقية، كما تجمعهما الصحراء الكبرى التي كانت عامل وصل بين شعوب أفريقيا عامة ومصر والمغرب على وجه الخصوص. بالإضافة إلى الهجرات التي تمثلت في نزوح السكان من المغرب في اتجاه مصر أو العكس على فترات تاريخية معينة، بما فيها مقدم الفاتحين من مصر إلى المغرب، ونشر الإسلام والمذهب المالكي سواء في مصر أو المغرب، بالإضافة إلى الهجرة الهلالية في اتجاه المغرب، وكذا العلاقات التجارية في اطار القوافل التجارية، ورحلة الحج حيث كان الحجاج المغاربة يأتون إلى مصر لمرافقة ركب الحجاج المصري في اتجاه بلاد الحرمين الشريفين. كما أن جامعة الأزهر الشريف وجامعة القرويين جسدتا العلاقات الفكرية بين البلدين فكان لطلاب العلم المغاربة رواق في الأزهر الشريف هو رواق المغاربة، دون أن ننسى تبادل السفراء بين دولة بني مرين ودولة المماليك، ومن الرحالة المغاربة الذي نزلوا بمصر يذكر المحاضر الرحالة ابن بطوطة والحسن الوزان. هذا بالإضافة إلى قدوم كبار المتصوفة المغاربة واستقرارهم في مصر ودورهم في انتشار التصوف والعلوم الدينية بمصر على رأسهم الحسن الشاذلي المغربي المولد والنشأة الذي كان له مريدون كثر بمصر، والمرسي أبو العباس بالإسكندرية وهو متصوف من أصول مغاربية، ويعد هذان من أبرز المتصوفة والعلماء المغاربة الذين أثروا في الحياة الدينية والثقافية والعلمية في مصر. ولم يكن ذلك ليكون - حسب المحاضر - لولا مجموعة من الخاصيات المشتركة بين البلدين منها الدين والمذهب والجغرافيا التي قال إن الصحراء الكبرى أهمها. أما المحاضرة الثانية فعنونها الباحث الاكاديمي زين العابدين زريوح بـ: "دور الوثيقة في حفظ الذاكرة التاريخية الوطنية معركة وادي المخازن نموذجا"، وقد تناول الدكتور زين العابدين في هذه المحاضرة القيمة ذاكرة ووثائق معركة وادي المخازن المجيدة في تاريخ المغرب، حيث تطرق في البداية إلى مفهوم الذاكرة بنوعها الجمعي والتاريخي، وعلاقتها بالوثيقة، وأهمية هذه الأخيرة في حفظ الذاكرة الوطنية انطلاقا من هذا الحدث التاريخي المهم، خصوصا مع خفوت ذاكرة المعركة وغياب بقايا مادية عنها. إذ أنه عند مطالعة مختلف الوثائق التي تطرقت لمعركة وادي المخازن، فإننا سنقف أمام إشكالية أخرى ألا وهي تعارض ذاكرتين متضاربتين، ذاكرة المنتصر وهو ما تمثله الوثائق المغربية، وذاكرة المنهزم وهو ما تمثله الوثائق الأوروبية، ولاسيما البرتغالية منها رغم الحياد الإيجابي لبعض المصادر والوثائق. إذ ركزت المصادر المغربية على رواية أحداث المعركة بطريقة أدبية وسردية بعيدة نسبيا عن الجوهر والمضمون، وذلك انطلاقا من الالتزام بالإجماع العام، وإعلاء مجد الدولة، وإخفاء كل الجوانب التي يمكن أن تمس بهذه الصورة. في مقابل تشويه صورة الجيش المهاجم، والتضخيم من تعداده ضمن قالب الصراع الإسلامي المسيحي الذي كان سائدا في البحر المتوسط. في حين حاولت المصادر البرتغالية التي دونت حينها للحدث تفادي التطرق له على اعتبار أنه مأساة أصابت الإمبراطورية. بينما نجد أن بعض الوثائق الأجنبية التي كانت ضمن الأرشيف الأوروبي تزخر بالعديد من المعطيات حول المعركة، خصوصا التي دونت على يد الجواسيس والدبلوماسيين والتجار وغيرهم. رغم أن جزءا منها لم يخل من تحيز لصف الدول المسيحية، وتزوير لبعض الحقائق. وتظل أهم وثيقة هي رسالة الطبيب اليهودي المرافق للسلطان عبدالملك المعتصم التي يروي فيها بدقة عددا من حيثيات الحدث. فيما تضمن الأرشيف العثماني كذلك وثائق أخرى حول المعركة منها ما يحكي وجهة النظر العثمانية لاسيما فيما يتعلق بالمشاركة العسكرية فيها. واستنتج الباحث في الأخير أنه يجب إعطاء مكانة كبيرة للوثيقة التاريخية، وتسهيل ولوج الباحثين إليها، وتحقيق المزيد من الانفتاح على الأرشيفات الخاصة، والأجنبية التي تضم وثائق ومعطيات غاية في الأهمية خدمة لذاكرة معركة وادي المخازن، والذاكرة الوطنية جمعاء. وفي إطار تخليد أهم الذكريات الوطنية كان لمتتبعي صفحة الفضاء على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك موعد مع مداخلة علمية للأستاذ منير كلخة، سلط فيها الضوء على "ملامح من ثقافة المقاومة للشريف محمد امزيان"، وذلك في الذكرى 108 لاستشهاده، والتي لا تزال الذاكرة الشعبية لقبيلة قلعية ومنطقة الريف ككل تحتفظ بها. كما لم يفت أطر الفضاء التفاعل مع القضايا الراهنة بتنظيم محاضرة علمية حول موضوع "علاقة المغاربة بالمستعمر الفرنسي زمن الأوبئة"، والتي قدمتها الدكتورة ابتسام تملاين، وتناولت فيها علاقة المغاربة بالمستعمر الفرنسي زمن الجوائح والمسغبات، وكيف استغل المستعمر تلك الفترات العصيبة على المجتمع المغربي لممارسة ضغوطاته الاستعمارية وبسط نفوذه، ورد فعل المغاربة اتجاه التدابير التي اتخذتها السلطات الاستعمارية زمن الجائحة. كما نظم الفضاء محاضرتين مهمتين، الأولى للمؤرخ الجزائري هزرشي بن جل والتي تناول فيها موضوع المشترك المغربي الجزائري النضالي خلال الحقبة الاستعمارية، والثاني للباحث المغربي عبدالعزيز بلبكري التي تناول فيها موضوع سيدي قاسم في الفترة الاستعمارية. ولا يزال فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بسيدي قاسم مستمرا في بث حلقات من سلسلة قضايا تاريخية عن بعد بشكل أسبوعي طيلة فترة الحجر الصحي إلى حين رفعه والعودة إلى الأنشطة الثقافية الحضورية بمقر الفضاء بمدينة سيدي قاسم.
مشاركة :