سارت تونس، في رحلتها التحولية نحو الديمقراطية، على خطى جنوب إفريقيا في معالجة جراح الماضي، من خلال هيئة الحقيقة والكرامة، التي تأسست بموجب قانون دستوري عام 2013 للتحقيق في أحداث عقود من التعذيب الذي عاناه التونسيون على يد الرئيسين السابقين حبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. ومن المتوقع أن تعيد هيئة الحقيقة والكرامة إحياء مسار العدالة خارج حدود تونس، حيث من المقرر أن تبدأ قريباً بفتح جلسات عامة للاستمتاع للشهادات. وتعتبر ردود أفعال الجمهور التونسي على تلك الشهادات محورية في تحديد مدى نجاح عمل الهيئة، وقدرتها على شفاء جروح تونس المتفتحة. ويبقى على تونس أن تتخطى عقبة أكبر، تتمثل في انهيار النظام السريع، حيث لا يزال عدد من بقايا النظام الفاسد، الذين كانوا مستفيدين من حكم بن علي في مواقع النفوذ والسلطة. وتشكل تلك العناصر الموجودة داخل المؤسسات التجارية والسياسية الخطر الأكبر على قدرة هيئة الحقيقة والكرامة على القيام بمهمتها. وقد برز عدد من المؤشرات، التي دلت على مناهضة تلك العناصر لعمل الهيئة . إذا تمكنت هيئة الحقيقة والكرامة من اقتلاع هؤلاء الأشخاص وطردهم، فإنها تكون قد أطلقت ثورة إقليمية من صنع يديها. لا شك أن العملية صعبة، إلا أن عمل الهيئة يحمل معه آخر أمل يعلق على أحداث الانتفاضات والحراكات العربية عام 2011. وقد تكون هيئة الحقيقة والكرامة السبيل الأمثل للحكومة التونسية في مواصلة مسارها التاريخي نحو الديمقراطية، حيث حماية مبدأي المحاسبة والعدالة. كما قد تكون المحصلة بالنسبة للمنطقة على مستوى أحداث التاريخ، إذا سمح للهيئة استكمال عملها دون زرع طريقها بالعثرات. تبدأ عملية التماثل للشفاء وتنتهي مع الشعب التونسي، الذي قد يستفيد إلى حدٍّ بعيد من التجربة الجنوب إفريقية، كما من الحرص على تقيد سياسيي تونس بتوصيات الهيئة.
مشاركة :