يوسف أبو لوز يستوقفك في الحوار الذي أجرته أمس وكالة أنباء الإمارات (وام) مع زكي أنور نسيبة وزير دولة، استخدامه تعبير «التباعد الجسدي»، ولم يستخدم تعبير «التباعد الاجتماعي» وعند قراءة هذا الاستخدام الذكي والدقيق لمفهومين يتصلان بالتباعد الذي فرضه وباء كورونا على العالم، تفكر أن التباعد الجسدي يعني وجود مسافة مكانية بينك وبين الآخر لتفادي العدوي عن قرب، وهو إجراء صحي احترازي يتكثف مكانياً في حوالي مترين أو أكثر قليلاً بين الشخص والآخر، ويتمثل هذا التباعد مادياً في ابتعاد الجسد البشري عن الجسد الآخر من دون ملامسة أو مصافحة أو معانقة، وهي جميعاً صور يومية للجسد البشري في سلوكه العام قبل الإجراء الصحي الاحترازي.غير أن هذا التباعد الجسدي الطارئ لا يعني مطلقاً تباعداً اجتماعياً، بل على العكس من ذلك أوجدت البيئة الوبائية العالمية أنماطاً اجتماعية سلوكية تتسم بقيم إنسانية حميمية مثل: التراحم، والتضامن، والتعاطف، وغيرها من قيم هي في حقيقتها شكل من أشكال التقارب الاجتماعي، وليس التباعد الاجتماعي.صحيح أن كورونا باعد بين أجسادنا، ولكنه وعلى رغم كارثيته، لم يباعد بين أرواحنا وأحلامنا الإنسانية المشتركة، وأشواقنا المحبة للحياة.باعد كورونا مؤقتاً بين الجسد والجسد كفضاء فيزيائي، ولكنه لم يباعد بين الأب وابنه، وبين المرأة وابنتها، وبين صديق وصديق، وبين عائلة وعائلة حتى لو كانت هذه الكيانات الاجتماعية الفردية والجماعية معزولة عن بعضها البعض أو حتى محجور عليها، وعندما نقول إن كورونا أوجد ثقافة تباعدية اجتماعية، كأننا نقول إن الوباء انتصر على الإنسان، وفكك منظوماته الاجتماعية بدءاً من الفرد، مروراً بالعائلة وانتهاء بالمجتمع.على ذلك، يمكن القول إن كورونا مع صعود وبائيته على نحو عالمي قد أوجد مفاهيم ومصطلحات وأفكاراً يتوجب أن ننتبه إليها جيداً بالقراءة والتحليل ويفترض، بالطبع، أن أول من يتصدى إلى هذه المفاهيم هو علم الاجتماع وبخاصة من خلال نخبة الأكاديمية العلمية التي لها مختبراتها البحثية، والتي لا تقل أهمية في هذه الجائحة عن المختبرات الطبية والصيدلية التي تصل الليل بالنهار بحثاً عن دواء لهذا الوباء.سيصل الطب إلى علاج لكورونا آجلاً أم عاجلاً، وسيتم القضاء على هذا الفيروس، لكن، علينا أن ننتبه جيداً إلى ما سوف يخلفه كورونا من أمراض جانبية تحتاج هي الأخرى إلى علاج، والكثير منها أمراض نفسية اجتماعية.. بل وحتى روحية. yabolouz@gmail.com
مشاركة :