الإبداع والنجومية والهوية الوطنية

  • 4/23/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لطالما كانت مصر مبعث للإشعاع الحضاري والثقافي، ليمتد هذا الإشعاع مؤثرًا ليس على الإنسان المصري وحسب بل على العرب ككل، فأسهمت بذلك في تشكيل جزء كبير من الهوية الوطنية المحلية لمواطني الدول العربية، لم يكن لها لعب ذلك الدور خلال تلك المرحلة التاريخية، لولا أنها كانت موطنًا للفن والفنانين وحالة النجومية التي تميز بها المبدعون في مختلف المجالات الفنية والثقافية والأدبية. فلعب الغناء دوره، من خلال أم كلثوم، ومحمد عبدالوهاب، إلى عبدالحليم حافظ وغيرهم، كما كان لسينما الأبيض والأسود عندما لعب نجوم تلك الشاشة دورًا ينهمر في الاتجاه نفسه من أمثال عمر الشريف ورشدي أباظة وأحمد رمزي وشكري سرحان، وفاتن حمامة ونادية لطفي، وزبيدة ثروة، ومريم فخر الدين، والقائمة تطول، وكذا الحال بالنسبة للشعر، فأوجدت مصر مجموعة من فطاحلة الشعر العربي المعاصر كأحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وأحمد رامي وإبراهيم ناجي، أعطت تلك الشخصيات بنجوميّتها، وانتشارها الإعلامي، صورة نمطية ساحرة عن مصر كحاضرة ثقافية ومجتمعية رائدة في تلك المرحلة، وكانت لحالة النجومية هذه تأثيرها غير المباشر كقوة ناعمة على دور مصر السياسي. كما لعبت الكويت دورًا في حقبة تاريخية هامة لنا نحن أهل الخليج، من خلال ما قدمه مسرحها، وغناؤها، والدراما التلفزيونية، وإعلامها وصحافتها، وكذلك كرة القدم، إبّان العصر الذهبي لمنتخبها الوطني. ودائمًا ما نخص الغناء والموسيقى التي لها مفعول ساحر في تشكيل وجدان الإنسان، فما زلنا ننتشي طربًا عندما نستمع لموسيقى وألحان أغاني عبدالكريم عبدالقادر، وحسين جاسم، ورباب، وسعود الراشد، وغريد الشاطئ، وكذا حال تأثير أوبريهات مهرجانات عيد العلم في الكويت، بصوتي شادي الخليج وسناء الخراز. وبكل تأكيد حالة الدراما التي قادها عبدالحسين عبدالرضا، وسعد الفرج، وخالد النفيسي، وزملاؤهم، الذين عكسوا بأعمالهم المسرحية والدرامية، ليس الشخصية والكويتية وحسب بل الخليجية. واليوم ونحن في فترة سعودية بامتياز تلعب المملكة العربية السعودية من خلال الغناء، والشعر، والإعلام، والرياضة الدور نفسه. لا تخطئ العين المحايدة أسماء لامعة في جميع المجالات اليوم في السعودية، ليست نجومية محمد عبده تحتاج للإشارة لها، وباقي زملائه من مطربين، وكذلك في مجال الشعر سواء على مستوى الشعر العامي النبطي أو الشعر الفصيح من أمثال الأمير خالد الفيصل أو الأمير بدر بن عبدالمحسن أو الأمير عبدالرحمن من مساعد، للدراما دور هام يلعبه الممثلون السعوديون من أمثال القصبي والسدحان، كما للإعلاميين السعوديين تميز واضح للعيان في تقديم البرامج جعلت منهم نجومًا يشار إليهم بالبنان من أمثال عبدالله المديفر وتركي الدخيل، بل اتسعت مجالات النجومية لتشمل الكتاب الصحفيين والمحللين السياسيين من أصحاب المستوى الرفيع يناظرون من خلاله كبار الكتاب والمحللين السياسيين، من أمثال عثمان العمير وعبدالرحمن الراشد ومشاري الذايدي والدكتور خالد الدخيل والدكتور تركي الحمد. إذًا، من يحقق هذه الأدوار هم النجوم في جميع المجالات وأهمهم المبدعون من فنانين وشعراء ورياضيين وإعلاميين من خلال حالة النجومية ووهجها الذي يجعلهم مؤثرين على المجتمع المحلي بل ويجتازون الحدود الجغرافية للوطن، فهم من يشكل وجدانًا مشتركًا وبالتالي الهوية الوطنية، والصورة النمطية عن هذه الهوية. وعندما نتحدث عن حالتنا البحرينية نرى أننا مازلنا خجولين في خطانا نحو طريق خلق نجوم في المجالات المختلفة كالغناء، والشعر، والمسرح، والدراما، والإعلام، بالقدر الذي يجعل لهؤلاء التأثير الكاف على المجتمع المحلي والمستوى الخارجي. تبقى حالة الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة رحمه الله رحمة واسعة، حالة استثنائية في البحرين، فاستطاع الشيخ عيسى أن يحقق النجومية الكاملة عبّرت بشكل صارخ وجلي عن هوية وطنية بحرينية شاملة بموهبته الشعرية وطلاقته الخطابية ومكانته الرياضية وحضوره الإعلامي المميز، فيمكن القول إن الشيخ عسى بن راشد حالة ثقافية بحرينية ناجحة بامتياز، فقد شكل رحمه الله من خلال أشعاره التي تغنى بها المطربون البحرينيون وغيرهم، وجدانًا مشتركًا لدينا نحن في البحرين، بالإضافة إلى ما كان يمثله بشخصيته الرياضية من إجماع على حبه داخل وخارج البحرين. فرحم الله الشيخ عيسى بن راشد بطيب الثرى والجنان الفساح. وعودة إلى النجومية وكيفية صناعتها، فإن الموهبة ليست وحدها قادرة على جعل هذا الموهوب نجمًا بقدر النماذج التي ذكرناها، فحالة النجومية مقرونة بعوامل أخرى تتعلق بشخصية النجم نفسه وكرزماتيته، التي من شأنها قبول الجمهور له، فالمواهب متوافرة في كل مكان وزمان، إلا أنها تتعثر بسبب عدم التوجيه أو عدم وجود بيئة حاضنة لتلك الموهبة، وفي كثير من الأحيان تتطلب دعمًا واحتضانًا وتوجيهًا من المؤسسات الرسمية المعنية بالمجالات الإبداعية، وتدخلاً في بعض الأحيان يصل إلى أدق التفاصيل، من شخصية وهيئة النجم نفسه، ماذا يلبس، وكيف يتكلم، وكيف يواجه الإعلام، ليس عبدالحليم حافظ مثالاً وحيدًا لهذا النوع من التبني، عندما تبنته مؤسسة المؤسسة العسكرية الحاكمة في مصر في تلك المرحلة، ليصدح بصوته الشجي العابر إلى البعيد، مؤثرًا وموجهًا المجتمع المحلي والخارجي بما يشكله الفن والغناء والموسيقى من نعومة.

مشاركة :