إن الله خلق السماوات والأرض بالحق، وطلب من الناس أن يبنوا حياتهم على الحق، فلا يقولوا إلا حقاً ولا يعملوا إلا حقاً. وحيرة البشر وشقوتهم، ترجع إلى ذهولهم عن هذا الأصل الواضح، وإلى تسلّط أكاذيب وأوهام على أنفسهم وأفكارهم، أبعدتهم عن الصراط المستقيم. ومن هنا كان الاستمساك بالصدق في كل شأن، وتحريه في كل قضية، والمصير إليه في كل حكم، دعاية ركينة في خُلق المسلم. وصبغة ثابتة في سلوكه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دع ما يُريبك إلى ما لا يُريبك، فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة». وقد نعى القرآن على أقوام جريهم وراء الظنون التي ملأت عقولهم بالخرافات، وأفسدت حاضرهم ومُستقبلهم بالأكاذيب فقال: (إن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ• وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ» وعن عائشة أم المؤمنين قالت: «ما كان من خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب». ولا غرو فلقد كان السلف الصالح يتلاقون على الفضائل ويتعارفون بها، فإذا أساء أحد السيرة وحاول أن ينفرد بمسلك خاطئ، بدا - بعمله هذا - كالأجرب بين الأصحاء. أما الكذب والإخلاف، والتدليس والافتراء، فهي أمارات النفاق، وانقطاع الصلة بالدين. والكذب رذيلة تنبئ عن تغلغل الفساد في نفس صاحبها، وعن سلوك ينشئ الشر إنشاء، ويندفع إلى الإثم من غير ضرورة مزعجة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «يطبع المؤمن على الخلال كلها، إلا الخيانة والكذب». وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيكون المؤمن جباناً؟ قال: نعم! قيل له: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: نعم! قيل له: أيكون المؤمن كذاباً؟ قال: لا..». والإسلام يُوصي أن تُغرس فضيلة الصدق في نفوس الأطفال، حتى يشبّوا عليها، وقد ألفوها في أقوالهم وأحوالهم كلها. فعن عبدالله بن عامر قال: دعتني أمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا، فقالت: تعال أعطك، فقال لها صلى الله عليه وسلم: «ما أردت أن تعطيه؟» قالت: أردت أن أعطيه تمراً فقال لها: «أما إنك لو لم تعطه شيئاً كتبت عليك كذبة»!. وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قال لصبي: تعال، هاك ثم لم يُعطه فهي كذبة». فانظر كيف يُعلّم الرسول صلى الله عليه وسلم الأمهات والآباء أن يُنشئوا أولادهم تنشئة يقدّسون فيها الصدق، ويتنزّهون عن الكذب، ولو أنه تجاوز عن هذه الأمور وحسبها من التوافه الهيّنة لخشي أن يكبرَ الأطفال، وهم يعتبرون الكذب ذنباً صغيراً، وهو عند الله عظيم.
مشاركة :