جددت جائحة كورونا الخلافات القديمة وأعادت اختبار قدرة الاتحاد الأوروبي على صياغة رد منسق على أزمة كبرى، ويتركز الخلاف هذه المرة حول "سندات كورونا" التي تطالب بها الدول الأشد تضررا من الوباء فيما ترفضه الدول الغنية. دول اليورو الغنية تخشى من تحمل تبعات السياسات المالية للدول الأعضاء الفقيرة لم تجر الأمور في تناغم كامل يوم الخميس (23 أبريل/نيسان) عندما عقد زعماء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي أجتماعا عبر الفيديو للتباحث حول الانعكاسات المالية لوباء كورونا. فقد أتفق قادة الاتحاد الأوروبي على حزمة مساعدات بقيمة 500 مليار يورو وتأسيس صندوق لإعادة الإعمار بقيمة 1000 مليار يورو، لكن لا تزال تفاصيل عمل هذا الصندوق غير محسومة. وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، عقب الإجتماع، إن الزعماء اتفقوا على الحاجة إلى هذا الصندوق لكنهم اختلفوا حول التفاصيل. وأضافت "لم نكن على اتفاق دائم، على سبيل المثال فيما يتعلق بهل يكون ذلك في صورة منح أم قروض أو كيف ينبغي تطبيقه، لكننا اتفقنا جميعا على ربط صندوق التعافي هذا ربطا وثيقا بالإطار المالي متوسط الأجل التالي". لكن ميركل أبدت استعداد بلاده للمساهمة بصورة أكبر في موازنة الاتحاد الأوروبي مستقبلا من أجل تعزيز وضع أوروبا عقب انتهاء أزمة تفشي فيروس كورونا. من ناحيته قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن "الخلافات مازالت قائمة" بخصوص ما إذا كان الصندوق سيقدم منحا نقدية أم يكتفي بالإقراض. أساس الخلاف حول "سندات كورونا" ويتركز الخلاف بين دول شمال أوروبا المحافظة ماليا مثل ألمانيا وهولندا، ودول الجنوب الأشد تضررا من أزمة كورونا مثل إيطاليا وإسبانيا، بشأن إمكانية إصدار سندات مشتركة لدول الاتحاد تعرف باسم "سندات اليورو" لمساعدة الدول الأشد تضررا في الاقتراض من الأسواق المالية بتكلفة محتملة، وهو ما ترفضه بشدة دول مثل ألمانيا وهولندا والنمسا. والموافقة على "سندات اليورو" كانت ستعني أنه سيتوجب على دول اليورو كمجموعة أخذ ديون مشتركة من الاسواق المالية وتوزيعها بينها وإعطاء ضمانة مشتركة لإعادة دفع هذه الديون والفوائد. والبلدان القوية ماليا سيتوجب عليها دفع فوائد عالية أكثر من الآن، فيما سيخف عبئ الديون على البلدان الضعيفة ماليا. وإذا ما أصبحت بلدان غير قادرة على الدفع، فإن الدول المتبقية تتحمل ديونها وفوائدها. بالنسبة إلى ايطاليا واسبانيا المديونتين حاليا يبدو ذلك مغريا، فهي تفضل السندات المشتركة على القروض من مظلة نظام الاستقرار الأوروبي. وحتى فرنسا وستة بلدان أخرى تدعم الدعوة إلى تبني سندات اليورو. لكن هولندا والنمسا وفنلندا والمانيا، التي تفرض ذلك، تخشى ظهور فجوة ومنح قسيمة لأولائك للبلدان التي لا تتحكم منذ سنوات في ميزانياتها ولم تنفذ حتى الآن إصلاحات سياسية واقتصادية. سندات اليورو يمكن أن تعطي هذه الدول التشجيع على مواصلة عدم التقشف وعدم إصلاح ميزانياتها وكذا عدم إصلاح سوق العمل والأنظمة الاجتماعية ونظام الضرائب. فسندات اليورو في فترة وباء كورونا هي الطريق الخطأ، كما قالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الاثنين أثناء جلسة لرئاسة الحزب المسيحي الديمقراطي. وأوضح مشاركون في المؤتمر عبر الهاتف عن وجود إجماع على أن أخذ ديون مشتركة سيواجه في المانيا معارضة كبيرة. حدود المسؤولية المشتركة والتضامن الأوروبي أنغيلا ميركل تتحدث عن تجربة، فالنقاش حول سندات اليورو يرافقها منذ أن أصبحت مستشارة. "كل قرار حول تثبيت قصير المدى لدولة عضو في الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون في انسجام مع الاستقرار البعيد المدى للوحدة الاقتصادية والنقدية"، قالت ميركل في عام 2010 في البرلمان الألماني. وكان الاتحاد الأوروبي يعاني حينها من أزمة مالية، فاليونان وايطاليا والبرتغال واسبانيا وايرلندا كانت على هاوية الإفلاس. ميركل أوضحت حدود التضامن الأوروبي عندما قالت "الشعب الألماني كان قد تخلى (عام 2000) عن المارك الألماني ثقة منه في يورو مستقر. وهذه الثقة لا يحق بأي حال من الأحوال أن تخيب ظنه". وتابعت "ولذلك أقول: الأوروبي الجيد ليس هو بالضرورة من يساعد بسرعة. فالأوروبي الجيد هو من يحترم العقود الأوروبية والقانون الوطني، ويساعد بذلك في أن لا يتضرر استقرار منطقة اليورو". في الفقرة 125 من اتفاقية عمل الاتحاد الأوروبي مدون أن كل دولة تتحمل مسؤولية ديونها. وماذا ستقول المحكمة الدستورية الألمانية عن سندات اليورو؟ برلمانات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وفي مقدمتها البرلمان الألماني هي التي تقرر بشأن أموال دافعي الضرائب. وتعتبر أنغيلا ميركل أن سندات اليورو لا تنسجم مع الدستور الألماني وهي خاطئة اقتصاديا. والضمان الجماعي للديون ليس ممكنا بدون إمكانيات المراقبة والتدخل في الميزانيات الوطنية. ولم تتحدث ميركل أبدا عن وزير مالية أوروبي. فألمانيا لا تريد التخلي عن السيادة الوطنية في القضايا المالية. كيف ينظر الألمان إلى سندات اليورو؟ تشير استطلاعات رأي لمعاهد بحوث ألمانية أن نحو 40 في المائة من الألمان يؤيدون حاليا ديونا مشتركة لبلدان اليورو، بينما يعارض ذلك نحو 40 في المائة، هذا خلال أزمة كورونا. لكن قبل أزمة كورونا كان الألمان وعلى مدى سنوات في غالبيتهم ضد سندات اليورو. وفي النقاش الحالي ستتذكر الحكومة الألمانية بالتأكيد عام 2013 عندما تأسس حزب "البديل من أجل المانيا" كحزب يميني شعبوي مشكك في فكرة أوروبا. وقد ركز هذا الحزب في عمله على أزمة اللجوء وتطور في كثير من مواقفه إلى حزب يميني متطرف، لكن الموقف الرافض تجاه الاتحاد الأوروبي ظل قائما. وإذا ما قبلت الحكومة الألمانية سندات اليورو، فإن ذلك سيشكل تمريرة مواتية لحزب "البديل من أجل ألمانيا" الذي سيحاول تحريض المواطنين. كما أن سندات اليورو ستكون غالية على دافعي الضرائب الألمان. وبسبب الديون المرتفعة المسجلة في فترة كورونا، فسيكون من الصعب إقناع دافعي الضرائب الألمان بتبني سندات اليورو. زابينه كينكارتس/ م.أ.م
مشاركة :