واشنطن - بعدما تحولت الولايات المتحدة إلى أكبر بؤرة موبوءة تفشى فيها فايروس كورنا خاصة في نيويورك، وصف المعارضون للرئيس دونالد ترامب وكذلك الكثير من الخبراء أن كوفيد – 19 يعد أكبر فشل استخباراتي أميركي في العقود الأخيرة. وتذهب مراكز البحوث والدارسات المختصة في دراسة الأمن القومي الأميركي، إلى التأكيد أن فايروس كورونا أثار الكثير من النقاط التي تشير إلى عيوب بالجملة داخل أجهزة الاستخبارات، مؤكدين أن هذه الكارثة ستجبر حتما المخابرات على تغيير أسلوب عملها بالتركيز على نهج جديد تكون فيه الأولوية للمخابرات الطبية وذلك بتوظيف الأطباء والعلماء. وعلى الرغم من أنه منذ أواخر فبراير الماضي، عندما كان ترامب يحث الأميركيين على عدم الخوف من فايروس كورونا المستجد، فإن الإنذارات كانت تدق في وحدة استخبارات غير معروفة تقع على قاعدة للجيش الأميركي على بعد ساعة بالسيارة شمال واشنطن. وهذه الوحدة تجمع المتخصصين في مجال الاستخبارات والعلوم والطب في المركز الوطني للاستخبارات الطبية الذين يفعلون بهدوء ما فعلوه لعقود – مراقبة وتتبع التهديدات الصحية العالمية التي يمكن أن تعرض للخطر القوات الأميركية في الخارج والأميركيين في الداخل. وفي 25 فبراير، أطلقت وحدة الاستخبارات الطبية تحذيرها من أن فايروس كورونا سيصبح جائحة في غضون 30 يوما، وسينتقل من مجرد كونه أزمة محتملة إلى أزمة وشيكة الحدوث، وفقًا لمسؤول أميركي. كان ذلك قبل 15 يومًا من إعلان منظمة الصحة العالمية وباء كورونا سريع الانتشار جائحة عالمية. وشهد تاريخ الولايات المتحدة حدثين كان لهما أثر كبير على مجريات الأمور في البلاد، وهما الهجوم الياباني المباغت على قاعدتها البحرية في بيرل هاربور بجزر هاواي في السابع من ديسمبر عام 1941، والثاني هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. وأدى الحدثان إلى تغيير شامل في كثير من أجهزة الدولة، ولم تسلم منه أجهزة الاستخبارات الأميركية. لكن جائحة كورونا سوف تؤدى إلى تغيير أجهزة المخابرات بدرجة أكبر بكثير مقارنة بالحدثين السابقين. ويقول غريغ باركيا، خبير المخابرات المضادة الأميركي في تقرير نشرته أمس الخميس مجلة “ذا ناشيونال إنتريست” الأميركية، إن الولايات المتحدة، ومعظم الدول الغربية، تدرس عوامل مختلفة عندما تقوم بتحديد عدو ما، وإنه قضى معظم وقته كمستشار للخدمات المتعلقة بالمخابرات والأمن من خلال شركته المتخصصة في هذا المجال، في مساعدة عملائه في تحديد أعدائهم. إذ أنه دون تحديد الأعداء وإمكانياتهم بشكل واضح، من المستحيل تنفيذ الإجراءات المضادة الفعالة. ومن هنا تبدأ إجراءات تخفيف شدة أي احتمالات. وتميل الدول المتقدمة إلى الرغبة في تقييم إمكانيات العناصر النشطة الخارجية والداخلية أحيانا، والتي من الممكن أن تؤثر بصورة سلبية على الاقتصاد أو الصحة العامة. ومن الأمور المهمة أيضا قدرة الدولة على تصور القوة الضرورية لفرض أهداف سياستها. الوباء يفرض نوعا جديدا من أولويات التوظيف للعمل في أجهزة المخابرات؛ حيث ستكون هناك حاجة لتوظيف أطباء وعلماء ومن المهم بالمثل القدرة على الاحتفاظ بسمعة كونها حليفا يتمتع بالقدرة ويمكن الاعتماد عليه. وهذا هو السبب في أن خمسين دولة تقريبا شكلت ” تحالف الراغبين” لغزو العراق في عام -2003 ليس لأنها تريد ذلك، ولكن لأنها مضطرة لذلك بسبب المزايا الاقتصادية أو التكتيكية التي تقدمها لها الولايات المتحدة. ويقول غريغ إن هذا يذكره بمقولة: “عندما تعطس أمريكا، يصاب العالم كله بنزلة برد”. وتتوفر في جائحة كورونا جميع فئات معايير العدو. فالتأثير الاقتصادي كبير للغاية، وقد أدى إلى محو النمو الاقتصادي الذي تحقق خلال الفترة الأخيرة، ورفع معدلات البطالة إلى درجة قياسية. ويتوقع السيناتور الجمهوري شوك غراسلي أن يفوق إجمالي الخسائر الاقتصادية ما سببته هجمات 11 سبتمبر. كما أن التأثير على الصحة العامة صادم أيضا ويفوق حصيلة قتلى هجمات 11 سبتمبر. وفي ظل جبهة داخلية مشتتة التفكير، يعمل خصوم الولايات المتحدة في حرية، عسكريا واقتصاديا، مستغلين الاستعدادات الأميركية غير الكافية. وأدى تأثير الفايروس على الاستعداد البحري الأميركي إلى جرأة الصينيين وإغراقهم لسفينة صيد فيتنامية في المياه المتنازع عليها. وسيكون هناك تحول جذري في نموذج العمل لأن هذه هي المرة الأولى التي تضطر فيها أجهزة المخابرات، بشكل جدي، إلى تقييم عدو ليس بشرا، بغض النظر عما إذا كان قد تم تجهيز الفايروسات عن قصد في إطار تعزيز الحرب البيولوجية، وليس لأي فايروس نقاط ضعف سيكولوجية يمكن استغلالها، ولا يخضع أي مرض لانتفاضة شعبية يمكننا التأثير عليها، والعدوى لا تمتلك هواتف يمكن اعتراضها أو تعقبها، وليس لها مجمعات يمكن تصويرها بالأقمار الاصطناعية، أو تعاملات مالية يمكن رصدها، وليس هناك حارس يمكن تجنيده كجاسوس. ومن المعروف أن القاعدة الأساسية في المخابرات هي أن يفكر مسؤولوها كما يفكر العدو. فكيف يمكن التفكير مثل عدو لا يفكر؟ ويقول غريغ، الذى قضى خمسة أعوام في الجيش الأميركي كرجل مخابرات، زار خلالها العراق وأفغانستان، إنه يمكن توقع توسع كبير للغاية في المركز القومي للمخابرات الطبية، التابع لوكالة المخابرات العسكرية التي تنفذ عمليات تجسس لجمع معلومات استخباراتية عن مجموعة كبيرة من القضايا الصحية التي يمكن أن تؤثر على المصالح الأميركية. وسوف يظهر نوع جديد من أولويات التوظيف للعمل في أجهزة المخابرات؛ حيث ستكون هناك حاجة لتوظيف أطباء وعلماء لهم خلفيات تتعلق بعلم الأوبئة والانتشار المستمر للأمراض. وفي الوقت الحالي، يقوم كثير من الأطباء العاملين في أجهزة المخابرات بتقييم صحة زعماء العالم من خلال تحليل الصور ومقاطع الفيديو التي يظهرون فيها. ومن الممكن أيضا توقع زيادة التركيز على أحد جهود جمع المعلومات الأكثر تحديا- وهو الجمع السري للعينات البيولوجية، حيث يتم تحليل هذه العينات للتعرف على دلائل تحذر من انتشار محتمل لأى أمراض.
مشاركة :