الدوحة – قنا: سلط بنك قطر الوطني (QNB) الضوء في تحليله الأسبوعي على تدخل بنك الاحتياطي الفيدرالي القوي لدعم الاقتصاد الأمريكي، لافتا إلى الاحتياطي الفيدرالي تصدر الموقف في معركة دعم الاقتصاد الأمريكي ضد صدمة فيروس كورونا (كوفيد-19). وأوضح البنك في تحليله الصادر اليوم، أنه رغم أن أدوات السياسة المالية هي الأكثر ملاءمة لتوفير الإسعاف الذي تحتاج إليه الشركات والأسر في هذا المنعطف، إلا أن السياسة النقدية ضرورية لتوفير السيولة للنظام، وكذلك لتلبية احتياجات السياسة المالية. ولفت التحليل إلى أن عمليات التدخل الحالية قد تجاوزت بالفعل كل ما فعلته السلطات النقدية الأمريكية على الإطلاق فيما سبق، فقد صرح رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول مؤخرا بحزم بأنه "لا توجد حدود" لمقدار الدعم الذي يرغب المسؤولون في تقديمه، وبالفعل، قام بنك الاحتياطي الفيدرالي خلال الأسابيع القليلة الماضية ليس فقط بخفض أسعار الفائدة إلى الصفر، بل قام أيضا بتطبيق جميع أدوات الطوارئ التي تم تطويرها لمواجهة الأزمة المالية الكبرى في 2008-2009، وشمل ذلك تدابير كمية ضخمة مثل شراء الأصول وتوفير سيولة الريبو لأسواق المال وخطوط مبادلة الدولار الأمريكي للبنوك المركزية الأخرى. وأكد بنك قطر الوطني على أهمية تسليط الضوء على حجم هذا التدخل ووتيرته ونطاقه، فقد ارتفع إجمالي الأصول في الميزانية العمومية لبنك الاحتياطي الفيدرالي بمقدار 2.2 تريليون دولار أمريكي، أو 53% في أقل من شهرين، ويتجاوز هذا الرقم بكثير حجم الجولات السابقة من التيسير الكمي وتوسيع الميزانية العمومية، وعلاوة على ذلك، يتجاوز نطاق الدعم الآن بكثير حد تفويض البرامج السابقة، حيث اقتصرت عمليات شراء الأصول في السابق على سندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة بالرهون العقارية التي تصدرها الوكالات. ووفقا للتحليل، يتضمن البرنامج الجديد شراء قروض التجزئة المضمونة، وأوراق البلديات، وسندات الشركات، والأوراق التجارية، وحتى صناديق تداول السندات ذات العائد المرتفع، وليس من المستغرب أن يشير العديد من المحللين إلى هذه الجولة الجديدة من التدابير باسم "التسهيل الكمي 4" أو "التيسير الكمي اللانهائي وما بعده". ونوه التحليل إلى أنه خلافا للفترات الأخرى من الأزمات الاقتصادية وضغوط السوق، تصرف بنك الاحتياطي الفيدرالي بشكل استباقي في الأسابيع الأخيرة، متوقعا المشكلات المحتملة ودون خوف من الإفراط في الالتزام. ورأى بنك قطر الوطني في تحليله أن هناك ثلاثة أسباب لزيادة استجابة بنك الاحتياطي الفيدرالي هذه المرة، أولها، أن طبيعة الصدمة الحالية تسمح بالدعم السياسي الواسع لاتخاذ إجراءات أكثر جرأة من السلطات النقدية، بما أن هذه الأزمة هي نتيجة لوباء خارجي بدلا من انفجار الاختلالات المالية، فليس هناك مجال كبير للجدل فيما إذا كان التحفيز النقدي ينتج "خطرا أخلاقيا" أو سلوكا سيئا للمخاطر، بالإضافة إلى ذلك، فإن التأثير المباشر لتدابير التباعد الاجتماعي على الدخل والعمالة يفرض إحساسا طبيعيا بالإلحاح على صانعي السياسات. ولفت السبب الثاني إلى أن هناك أدلة على أن السياسة النقدية كانت مشددة جدا حتى قبل صدمة وباء (كوفيد-19)، نظرا للاستجابة السلبية السريعة للطلب على تطبيع السياسة النقدية ما بين 2017 و2018 و"نوبة الغضب" لأسواق المال في أواخر عام 2019، وبالتالي، فإن الصدمة السلبية الهائلة من الانتشار العالمي لوباء (كوفيد-19) في ظروف السيولة غير المثالية تتطلب تسارعا أكثر دراماتيكية لخفض أسعار الفائدة وتوسيع الميزانية العمومية. وأفاد السبب الثالث بأنه نظرا للعجز الهيكلي القائم ومستويات الدين المرتفعة، تتطلب برامج الإغاثة الكبيرة التي ترعاها الحكومة تنسيقا ماليا ونقديا، أي تدخل البنك المركزي لخفض أسعار الفائدة خلال التوسع المالي الكبير، ومع شراء بنك الاحتياطي الفيدرالي المزيد من سندات الخزانة، يمكن استيعاب المعروض الضخم من السندات بضغط محدود على العائدات، وهذا يخلق مؤقتا حيزا ماليا إضافيا لتمويل الإنفاق الحكومي المرتبط بالإغاثة. واختتم بنك قطر الوطني تحليله بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي كان سريعا في إدراك حجم الصدمة وفي توفير الدعم المناسب للاقتصاد الأمريكي، مشيرا إلى أهمية التأكد من عدم الخطأ في تفسير خطوات البنك، فلا توجد طريقة للعودة إلى إطار السياسة النقدية القديم القائم على تفويض مزدوج (التضخم والعمالة) والذي يعمل من خلال مجرد تغييرات في أسعار الفائدة قصيرة الأجل، خاصة وأن التدخل الضخم الحالي لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي من الكساد سيسرع الاتجاهات الأخيرة، الأمر الذي يتطلب تغييرا جذريا في صنع السياسة النقدية، وسيكتمل هذا النسق الجديد لسياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي بشكل بطيء خلال العامين المقبلين.
مشاركة :