اعتاد أبناء القبائل البدوية بصحراء مصر الغربية، في محافظة مطروح؛ إقامة الاحتفالات السنوية بموسم جز صوف الأغنام، المعروف في التراث البدوى باسم «الجلاَّمة»، ويعتبر أبرز الموروثات التى تمتد جذورها للعصر الفرعونى، وتعد من العادات والتقاليد التى يحرص عليها سكان البادية، وتبدأ في النصف الثانى من شهر أبريل، من كل عام، وتستمر حتى نهاية شهر مايو، بالتزامن مع بداية فصل الربيع، وقبل ارتفاع درجات الحرارة، مع بداية الصيف.تقام «الجلاَّمة» بشكل سنوى، ولها طقوس يحافظ عليها سكان البادية، ولكن اختلفت التجهيزات بعض الشيء هذا العام، بالتزامن وتفشى فيروس كورونا المستجد، وما يستوجب اتخاذ تدابير وإجراءات احترازية ووقائية، حفاظًا على سلامة المواطنين وعدم انتشاره بين التجمعات البشرية، ولكن لم ولن تحول الكورونا وإقامة مراسم وطقوس الاحتفال بذلك الموروث القديم. يقول عبدالرحمن عبدالجواد، من أعيان قبائل على الأبيض بمدينة النجيلة، إنه وأقرانه من كبار ورموز القبائل يحرصون على حضور الجلاَّمة، التى تقام في قلب الصحراء كعادة سنوية لمربى الأغنام، ويأتى موسم جز الصوف ليلتقى فيه الأحبة، ويتبارون في الجز وإلقاء القذاذير، مشيرًا إلى أن الظروف الخاصة التى تمر بها البلاد من جراء تفشى مرض الكورونا؛ وما يجب اتخاذه من إجراءات احترازية، أقيمت عدة خيام متباعدة لهذا الغرض.ويضيف «عبدالجواد»: «ما أجمل تلك الأجواء الرائعة، البعيدة عن ضوضاء المدن والضغوط النفسية»، شاكرًا كل من لبى الدعوة، وحضر، وشارك، ودعا للجميع ومصرنا العزيزة أن تكون بخير، وننعم بإزاحة تلك الغمة عن الأمة.ويستخدم الجلَّام في ذلك مقصات بدوية، لتخليص الأغنام من الصوف، لتجنب الإصابة بالكثير من الأمراض الناجمة عن الحشرات والفطريات والأشواك التى تلتصق بالفراء وتنتشر مع ارتفاع الحرارة، وتمتلك قرى المحافظة أيدٍ عاملة ماهرة في جز الصوف، لخبرتهم الطويلة وتوارثهم تلك العادات عن آبائهم وأجدادهم.ويبدأ العامل بالجز، من بطن الشاة وصدرها، مرورًا بالرقبة والأطراف الأمامية باتجاه الأكتاف والظهر، وبعد الانتهاء تطوى جزة الشاة بطريقة مناسبة، ويتم تجميعها في أحد أركان الخيمة المعدة للجز «بيت عرب» ثم وضعها في أجولة، ويزن الجوال الواحد ما يقرب من ٤٥ كيلو جرام، وتخزن في مكان جاف بعيدًا عن الشمس والرطوبة، وتزن الخزة الواحدة ما يقرب من ٢ إلى ٣.٥ كيلو جرام.وللجلامة طقوس تراثية خاصة تتوارثها الأجيال من الآباء والأجداد، وما زال يحرص عليها في الصحراء رغم المتغيرات والتطورات التى طالت الكثير من الموروثات، حيث يتم ذبح الخراف في الصباح الباكر لإطعام المشاركين في عملية الجز، والمعاونون لهم من الرعاة وأصحاب الغنم والجيران والأقارب الذين يشاركون في الجلامة ويطلق عليهم «الرغاتة»، وتقدم وجبة الإفطار في بداية العمل ثم يتوقف المشاركون لتناول وجبة «الضحوية» وهى طعام يُقدم للجلاَّمة بين وجبتى الإفطار والغذاء.وتقدم خلالها وجبة المفروكة، التى تتكون من الخبز المجرد الذى يضاف إليه الزبد والتمر والبيض المسلوق ويقدم اللبن مع المفروكة، كما تقدم القلايا، المجهزة من كبد وكلاوى الأغنام وتقدم بعد ذبح الشاة وقد تذبح أكثر من شاة حسب عدد الضيوف، ووجبة الغداء عبارة عن الأرز المرجع وهو أرز باللبن الخض والسمن مع لحم الضأن، والشاى يقدم بشكل متكرر وتكون عدة الشاى التى تعرف بالعدالة قريبة من بيت العرب.الغلمان الصغار الذين يشهدون عملية الجز، يقومون بتقديم الشاى الزردة المعد في أكواب صغيرة على العاملين، وتنشد «القذاذير» وهى أغانٍ بدوية يتم ترديدها طوال اليوم، ومنها «يَرْعاهم الله يا ضان أَسْيادِك وفَزّاعتِك الكِل» و«الضان والْجلَم والبَيْت نهارة ملاقاهِن طرَب» و«الضّان كلّ يَوْم تْزِيْد عَ الرّاعى غَلا مَو لَوّلِى « و«النور ولا ظلام القبور »، والشخص الذى يأتى مُتأخِّرًا عن الجلامة يقول عند وصوله بصوت مرتفع «النُّور يا جَلاّمة النُّور» فيردُّون عليه: «النُّور ولا ظلام القبُور».وتعد الأصواف التى يتم جزها من أغنام «البرقى» وهى من أفضل وأجود الأنواع الموجودة في الصحراء الغربية ويزداد الطلب عليها في الأسواق الخارجية لجودتها، وتدخل أصوافها في كثير من الصناعات مثل البطاطين والأكلمة والحوايا والمشغولات البدوية التى تعد من التراث القديم للأجداد.
مشاركة :