تُشير شهد الشهيل إلى أن الشركات التي ستجتاز الأزمة الحالية بل وستزدهر في ظل الوضع الجديد، هي تلك التي ستقدم قيمة مضافة لعملائها. ففي الوقت الذي يسعى فيه المستهلكون للحصول على مبررات قوية وكافية تقنعهم بالتخلي عن أموالهم في ظل موجة التباطؤ الناجمة عن انتشار فيروس كورونا، استطاعت علامة الأزياء التراثية الخاصة بشهد الشهيل «أباديا» أن تحقق هذه المعادلة.وتقول شهد، وهي مصممة أزياء من مدينة المبرَّز بمحافظة الأحساء في المملكة العربية السعودية: «أعتقد أنه إذا لم نقم بإضافة أي شيء جديد أو لمسة تتسم بالأصالة للعمل الذي نقوم به، فلا فائدة إذا من القيام بالعمل نفسه من الأساس. إن العالم ليس في حاجة إلى مجرد كميات من الملابس».وفي الوقت الذي جعلت فيه التطورات المختلفة مثل بيع التجزئة عبر الإنترنت والبيع عبر سلاسل بيع التجزئة عملية إطلاق علامة أزياء أمراً أسهل من أي وقت مضى، إلا أن المفارقة تكمن في أن نجاح العمل في هذا القطاع حالياً أصبح أكثر صعوبة عما كان عليه الحال في السابق.وتوضح شهد-34 عاماً- هذا الأمر بقولها: «لقد كان من الصعب جداً حتى قبل ظهور الوباء إطلاق علامة تجارية ناجحة في مجال الأزياء، حيث كان السوق مشبعا تماما».وتأمل شهد في إحداث فارق في سوق الأزياء من خلال طرحها لعلامة تجارية فاخرة تجمع بين الحرف التقليدية والأشكال المعاصرة للبدو من سكان المناطق الحضرية اليوم. لقد كان السدو، وهو نسيج تقليدي يشتهر بأشكاله ورموزه الهندسية بين المجتمعات البدوية في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط، العماد الرئيسي للعلامة التجارية منذ تدشينها في عام 2016. وقامت مجموعة أزياء تم طرحها مؤخرا بإعادة تقديم تقنية التطريز الكلاسيكية الشهيرة المعروفة باسم «النقدة»، التي تعتمد في الأساس على تطريز خيوط رفيعة من المعدن على أقمشة خفيفة الوزن مثل: الحرير والتُل.وفي الوقت نفسه، أصبح معطف «فروة»، وهو معطف شتوي يرتديه عادة الرجال ويكاد من طوله أن يلامس الأرض، هو القطعة المميزة للعلامة التجارية. ويبدو أن معاطف فروة، التي طرحتها أباديا ذات المظهر الإنسيابي الفضفاض، تعكس الأدوار التي بدأت النساء في العصر الحديث في منطقة الشرق الأوسط صياغتها لأنفسهن. وتصدرت هذه القطعة من الأزياء قوائم التسوق على المستوى الإقليمي منذ أن تم تصوير الملكة رانيا ملكة الأردن وهي ترتدي واحدة منها أثناء حضورها حفل تخرج ابنتها من أكاديمية ساند هيرست العسكرية البريطانية.إحياء التاريخ من خلال الموضةتتابع شهد الحديث قائلة: «تحمل كل قطعة من قطع الأزياء في مجموعاتنا المختلفة وراءها قصة رائعة لا تختلف كثيرا عن القطع الأخرى. ويتم عمل التطريز اليدوي لملابس أباديا بصورة كبيرة في منطقة القصيم بالمملكة العربية السعودية، حيث ساعد هذا الأمر في تحسين معيشة ما يقرب من 45 شخص من أصحاب الحرف اليدوية التقليدية، مما أدى إلى زيادة دخلهم بنسبة 40 في المائة. وأغلب هؤلاء الحرفيين من النساء المتقدمات في السن اللاتي لم يعلمن مهنتهن للجيل القادم، نظراً لأنهن لم يلمسن أي فائدة اقتصادية لنقل تلك المهارات».وغالباً ما يواجه الحرفيون تقلبات كبيرة في دخلهم، بسبب تغير وتقلب أفضليات المستهلكين في المنطقة، وفترات شغفهم باقتناء هذه النوعية من الأزياء. ويصل الطلب على هذه الأزياء ذروته خلال شهر رمضان الكريم، بينما يتراجع الطلب إلى مستوى الصفر خلال باقي الفترة من العام.وتضيف شهد: «أردنا المساعدة في الارتقاء بمستوى الحرف اليدوية في الشرق الأوسط بنفس الطريقة التي يتم بها الاحتفاء بالتقاليد الفرنسية والإيطالية، مع العمل في الوقت ذاته على الحفاظ على تراثنا ورواية القصص التي يجسدها. إنني أرى أننا لا يمكن أن نطلب من الأساس من الحرفيين الحفاظ على أي حرفة -أو تراثنا- ما لم نمنحهم حوافز اقتصادية للاستمرار».وقد واجهت شهد، مثلها في ذلك مثل باقي المنخرطين في صناعة الأزياء، مشاكل وتحديات اقتصادية منذ ظهور فيروس كوفيد-19، الذي تسبب في خلو الممرات والمعارض من الناس وتعطل ورش العمل في أنحاء العالم كافة.وتذكر شهد: «بالنظر إلى باقي منظومة صناعة الأزياء ككل، يمكن القول بأننا لم نشهد من قبل مثل هذا الانخفاض الهائل في الطلبات. كما أننا لم نشهد أي نمو، ولكن تجدر الإشارة إلى أننا تلقينا طلبات جديدة من مناطق جغرافية جديدة، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية». وأضافت شهد أن فيروس كورونا سمح لأعضاء فريقها بأن يفكروا بعض الوقت في بعض الجوانب المرتبطة بنشاطهم لم يكونوا يعيروها اهتماماً أو المساحة الكافية من الوقت في السابق مثل: توسيع نطاق الأنشطة التسويقية وإرساء علاقات أعمق مع عملائهم.إن طريقة التخطيط المالي الطويل الأجل والمخاطرة المحسوبة، التي ساعدت أباديا على تحقيق الربح في عامها الأول من بدء النشاط، هي نفسها التي ستساعدها الآن للاحتفاظ بكامل فريق عملها، سواء العاملين بدوام كامل أو العاملين المستقلين.وتتحدث شهد الحاصلة على درجة الماجستير في إدارة الأعمال عن ردة الفعل فور ظهور الوباء قائلة: «في بداية ظهور الوباء، جلسنا سوياً وبدأنا نضع توقعاتنا لنشاطنا حتى نهاية العام. وتوصلنا في النهاية إلى أننا سنكون قادرين على الإبقاء على جميع أفراد فريق عملنا من دون التخلي عن أي منهم. لقد كنا نركز دوماً على تنمية أنشطتنا بشكل متناسق ومتوازن مع التأكد من عدم تعريض الحرفيين والموظفين للخطر. لكل نشاط استراتيجية مختلفة في العمل، ولكن بالنسبة إلينا كان الهدف هو تحقيق استدامة طويلة الأجل. أنا لست سليلة عائلة ثرية، ولا أستثمر أموال والدي. ولذلك، كان من المهم بمكان وضع أهداف مستقبلية على مدى ثلاث سنوات وخمس سنوات وعشر سنوات». وتختتم شهد الحديث بقولها: «إن صناعة الأزياء صناعة صعبة للغاية، وسوقها متشبع بدرجة كبيرة. ومن ثم، فإنه من المهم العمل على إرساء نشاط ينمو بشكل مستدام ويسير على أساس منظومة مالية سليمة».
مشاركة :