د.وليد السيد مرعي يكتب: أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء

  • 4/26/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بابٌ قد يغفله الكثيرون في هذا التيه الذي نحياه، التيه الذي صنعناه بأيدينا في ملكوت هو بيد واحد أحد لا يكشف ضر المضرورين فيه سواه.يُسأل المصطفى:إِلَامَ تَدْعُو؟ فيجيب:«أَدْعُو إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ، الَّذِي إِنْ مَسَّكَ ضُرٌّ فَدَعَوْتَهُ، كَشَفَ عَنْكَ، وَالَّذِي إِنْ ضَلَلْتَ بِأَرْضٍ قَفْرٍ دَعَوْتَهُ، رَدَّ عَلَيْكَ، وَالَّذِي إِنْ أَصَابَتْكَ سَنَةٌ فَدَعَوْتَهُ، أَنْبَتَ عَلَيْكَ» (مسند أحمد 34/ 239، حديث رقم/ 20636).إنه الدعاء... الدعاءبابٌ به يتم الاعتصام بالله، الذي أقسم بعزتهأن من اعتصم به فهو جاعل له من كل ضيق مخرجًا؛ يقول وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: قَرَأْتُ فِي كِتَابٍ أَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - يَقُولُ: «بِعِزَّتِي إِنَّهُ مَنِ اعْتَصَمَ بِي وَإِنْ كَادَتْهُ السَّمَاوَاتُ بِمَنْ فِيهِنَّ، وَالْأَرْضُونَ بِمَنْ فِيهِنَّ , فَإِنِّي أَجْعَلُ لَهُ مِنْ بَيْنِ ذَلِكَ مَخْرَجًا، وَمَنْ لَمْ يَعْتَصِمْ بِي فَإِنِّي آخِذٌ بِهِ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ الْأَرْضَ، فَأَجْعَلُهُ فِي الْهَوَاءِ، ثُمَّ أَكِلُهُ إِلَى نَفْسِهِ» (الزهد لأبي داود السجستاني ص 33).بلغنا في هذه الحقبة العصيبة من الزمن مبلغ الاضطرار أن يُرفع عنا هذا الهم والغم الذي سبَّبَه ذلكم المخلوق الضعيف الذي لم يُر بالعين المجردة (فيروس كورونا)، فمن ذا الذي بيده كشف ما ألمّ بنا غيره وحده، من بيده ملكوت كل شيء؟!!!، من يُفعِّل ومن يُبطِل؟!!!، من أَمرُه بين الكاف والنون؟!!!، إنه الله الذي بيده  ملكوت كل شيء، والذي يسر السبيل باللجوء إليه، والتضرع له، والدعاء، فهو السبيل لكشف الضر، ومن له غيره؟!!!يقول --: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ[النمل: 62]، ومن عجيب الأمر: أن الله -- يكشف السوء (الضر) عن المضطر (الذيأحوجهمرضأوفقرأونازلةمننوازلالدهرإلىاللجإوالتضرعإلىالله- تفسيرالزمخشري 3/ 377-)بالدعاء وإن كان من غير مسلم.يقول التستري: " والدعوة صنفان: دعاء المضطر، ودعاء المظلوم وهي (أي الدعوة بصنفيها) مستجابة من الناس لا محالة، مؤمنًا كان أو كافرًا؛ لأن الله –تعالى- يقول: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ [النمل: 62] ، كقوله: وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ [النمل: 64]، ودعاء المظلوم يرفع فوق الحجاب، ويقول الله تعالى:«وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين» .(تفسير التستري ص 117).ويقول القرطبي: " ضَمِنَ اللَّهُ تَعَالَى إِجَابَةَ الْمُضْطَرِّ إِذَا دَعَاهُ، وَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الضَّرُورَةَ إِلَيْهِ بِاللِّجَاءِ يَنْشَأُ عَنِ الْإِخْلَاصِ، وَقَطْعِ الْقَلْبِ عَمَّا سِوَاهُ، وَلِلْإِخْلَاصِ عِنْدَهُ سُبْحَانَهُ مَوْقِعٌ وَذِمَّةٌ، وُجِدَ مِنْ مُؤْمِنٍ أَوْ كَافِرٍ، طَائِعٍ أَوْ فَاجِرٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ" وَقَوْلُهُ:" فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ" فَأَجَابَهُمْ عِنْدَ ضَرُورَتِهِمْ وَوُقُوعِ إِخْلَاصِهِمْ، مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُمْ يَعُودُونَ إِلَى شِرْكِهِمْ وَكُفْرِهِمْ. وَقَالَ تَعَالَى:" فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ" فَيُجِيبُ الْمُضْطَرَّ لِمَوْضِعِ اضْطِرَارِهِ وَإِخْلَاصِهِ ".(تفسيرالقرطبي 13/ 223).ويقول في موضع آخر: " فَفُجُورُالْفَاجِرِوَكُفْرُالْكَافِرِلَايَعُودُمِنْهُنَقْصٌوَلَاوَهَنٌعَلَىمَمْلَكَةِسَيِّدِهِ،فَلَايَمْنَعُهُمَاقَضَىلِلْمُضْطَرِّمِنْإِجَابَتِهِ ".(تفسيرالقرطبي 13/ 224).فما أحوجنا في مثل هذه الأيام العصيبة إلى التضرع إلى الله بالدعاء أن يكشف عنَّا البلايا التي نزلت بنا بأمره وحكمته (فله في كل أمر حكمة وإن غابت عنّا).فالدعاء وسيلة المضطر الذي لا حول له ولا قوّة، حتىوإن لم يكن له وسيلة من طاعة قدّمها(الكشفوالبيانعنتفسيرالقرآن -تفسيرالثعلبي7/ 219)؛ ليأتي بعد ذلك الفرج من القادر على الإجابة وحده، الذي لم يجعل بينه وبين دعاء المضطر حجاب (لطائفالإشارات = تفسيرالقشيري 3/ 44).فذا رجل كان يكاري (يؤاجر) على بَغْلٍ له من دمشق إلى بلد الزّبَدَاني، فركب معه ذات مرة رجل، فمرَّا على بعض الطريق، على طريق غير مسلوكة، فقال له: خذ في هذه، فإنها أقرب. فقال الرجل: لا خبرة لي فيها، فقال له: بل هي أقرب. يقول الرجل: فسلكناها فانتهينا إلى مكان وَعْر وَوَادٍ عَمِيقٍ، وفيه قتلى كثير، فقال لي: أمسك رأس البغل حتى أنزل. فنزل وَتَشَمَّرَ، وجمع عليه ثيابه، وَسَلَّ سِكِّينًا معه وقصدني، ففررت من بين يديه وتبعني، فناشدته الله وقلت: خذ البغل بما عليه. فقال: هو لي، وإنما أريد قتلك.فَخَوَّفْتُهُالله والعقوبة فلم يَقْبَلْ، فاستسلمت بين يديه وقلت: إن رَأَيْتَ أَنْ تَتْرُكَنِي حتى أصليَ ركعتين؟ فقال: صَلِّوَعَجِّلْ. فقمت أصلي فلم يَحضرني منالقرآنحَرْفٌ وَاحِدٌ، فَبَقِيتُ وَاقِفًا مُتَحَيِّرًا وهو يقول: هِيهِ. افرُغ. فَأَجْرَى الله على لساني قوله: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ، فإذا أنا بفارس قد أقبل من فَمِ الْوَادِي، وبيدهحَرْبَةٌ، فرمى بها الرجلَ فما أَخْطَأَتْ فُؤَادَهُ، فَخَرَّ صَرِيعًا، فَتَعَلَّقْتُ بالفارس وقلت: بالله من أنت؟ فقال: أنا رسول الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء. قال: فأخذتُ البَغْلَ وَالحَمْلَ ورجعتُ سَالِمًا.(تفسيرابنكثير 6/ 205).وختامًا: فاللهم إنا نسألك الإخلاص في الدعاء والتضرع إليك؛ لتقضي حاجتنا،وتكشف ضرنا، وتفرج كربنا، وتخرجنا مما نحن فيه. اللهم آمين.وصلى الله على سيدنا محمد، والحمد لله رب العالمين

مشاركة :