د.وليد البلتاجي السيد يكتب: زكاة الفطر طُهرة للصائم وطُعمة للمساكين

  • 5/11/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد، النبي الهادي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين،،،،،،،وبعد فرضت زكاة الفطر في السنة الثانية من الهجرة، وقد أضيفت إلى الفطر؛ لأنها تجب بسبه، وهي في الشرع: اسم لما يُعطى من المال لمن يستحق الزكاة.وقد أجمع العلماء على وجوبها، ولا اعتبار برأي من شذَّ، وقد نقل الإجماعَ غيرُ واحدٍ من العلماء، كابن المنذر وغيره، حيث قال -رحمه الله-: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض. (المغني لابن قدامة3/79).وهي واجبة على كل مسلم ومسلمة، كبيرًا كان أو صغيرًا، إذا ما كان يملك زيادة على ما يفيض عن حاجته وحاجة من تلزمه نفقته من أهله وعياله؛ حيث إن سببها تطهير الصائم من آثام المعاصي التي اقترفها في ثنايا الصيام، ولا فرق في ذلك بين غني وفقير، حيث إنهما إذا اشتركا في العلة اشتركا في الوجوب، فعن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ». (متفق عليه).وفي رواية أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يَقُولُ: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ». (صحيح مسلم؛ حديث رقم: 985). (والمقصود من الطعام هنا: القمح كما فسّره أكثر العلماء، والأقِط: هو اللبن المجفَّف).ومن الجدير بالذكر أن الصاع كان مكيالًا لأهل المدينة، عبارة عن أربعة أمداد، والمُدُّ هو ملء كفَّي الإنسان المعتدل، ويُعدّ وزنًا (508 جرامًا تقريبًا)، ومن ثمَّ يكون تقدير الصاع وزنًا كالتالي: 4× 508= 2032(2 كيلو و32 جرامًا) تقريبًا.وفي كيفية إخراجها من الطعام أو قيمته من النقود مثلًا، خلاف بين الفقهاء، فمذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة على وجوب إخراج الطعام، وأنها لا تجزئُ من غيره، خلافًا لما ذهب إليه السادة الأحناف من جواز إخراج القيمة فيها إذا تحققت مصلحة الفقير بذلك، حيث إن وجوب المنصوص عليه في الحديث من حيث إنه مال متقوّم على الإطلاق، لا من حيث إنه عين لا يجب غيره، ومن ثّمَّ فيجوز أن يُعطَى عن جميع ذلك القيمة.ولا حرج في الأخذ بأي من القولين، وإن كان الأولى بالنسبة لي إخراج قيمتها؛ حيث إن ذكر الطعام في الحديث-والله أعلم- لأجل أنه كان نوعًا من النقود، يتعامل بها المسلمون آنذاك بيعًا وشراء؛ كما أن عادة جُلّ البلدان عدم الانتفاع بنوع من الطعام بمفرده؛ لسدّ ما يتعلق ببُغية الفقير من مأكل ومشرب وملبس، إلى غير ذلك، فتكون النقود أنفع له؛ وذلك لأن المقصود من زكاة الفطر إغناء الفقير ودفع حاجته، وهذا وإن كان يتحقق بالطعام فتحققه بإخراج القيمة من النقود أولى وأنفع، فيكون ذلك أقرب لسدّ حاجته، فقد لا يتمكن من بيعه إذا أُعطي له، وإذا استطاع باعه بأبخس الأثمان، حيث يستغله من هو أعلم بحاله من التجار، فيكون الأولى إخراج القيمة حينئذٍ.ومن ثَمَّ إذا كان ذلك كذلك فإخراج قيمة الطعام في هذه الحالة من غالب قوت البلد الذي يستعمله الناس، وينتفعون به، كالأرز مثلًا هو الغالب المعتاد عند أهل مصر، فإن أراد إخراج الأعلى قيمة من الأرز، كالتمر أو الشعير مثلًا، كان له ذلك، بل أولى وأنفع لمصلحة الفقير.وبما أن لكل عبادة حكمة في تشريعها، فزكاة الفطر كذلك كان لفرضها حكمة جليَّة، وذلك أن العبادات التي تطول، ويشق التحرُّز منها من أمور تُفَوّت كمالها، جعل الشرع فيها كفارة مالية بدلًا من النقص الذي اعتراها، كالهدي في الحج والعمرة، فكذا في نهار رمضان وما يمكن أن يشوب صيامه من لغوٍ، وفحش في القول والفعل، ثم إنها أيضًا طُعمة للمساكين الذي لا يملكون قوت يومهم. (شرح النووي على صحيح مسلم7/58).فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ». (سنن أبي داود).ومن ثَمَّ فقد أوجب الشرع إخراجها بغروب شمس آخر يوم من رمضان، وقبل خروج الناس إلى الصلاة، ليستغني الفقراء يوم العيد، فمن أداها بعد الخروج إلى الصلاة فهي صدقة من الصدقات كالتي يتصدق بها في سائر الأوقات. ويجوز تقديمها قبل الفطر بيوم أو يومين كما هو مذهب المالكية، بل توسع بعض الفقهاء كالشافعية فذهب إلى جواز إخراجها من أول يوم من رمضان، فجعل للناس فُسحة من أمرهم، ووسع دائرة الاستغناء بالنسبة للفقير، فيمكن الأخذ به إذا تحققت مصلحة الفقير بذلك.هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

مشاركة :