اللي ما له أول ما له تالي

  • 4/26/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

من الأمثال الشعبية التي نرددها بين حين وآخر هذا المثل الذي عنونّا به هذا المقال «اللي ما له أول.. ما له تالي». وهذا المثل وإن كان ينطبق على الإنسان العادي الذي ليست له جذور راسخة، وليس له تاريخ ممتد مشرف، فإنه أيضا ينطبق على بعض الشعوب والأمم التي سادت ثم بادت وتلاشت وانتهت ومسحت من صفحات التاريخ. ولعل من الأمثلة الكثيرة على ذلك الحضارات البابلية والآشورية والرومانية والفينيقية والفرعونية التي سادت لقرون طويلة لكنها اضمحلت وانتهت لأسباب كثيرة ليس مجال لذكرها الآن، وإن كان أهمها الفساد والتنازع على السلطة والاحتراب الداخلي والضعف الذي مكّن العدو الخارجي من القضاء عليها. - فقد تميزت الحضارة اليونانية بعلو كعبها في الفلسفة والأدب والفلك وغيرها من العلوم، إلا أن علم الفلسفة ميز هذه الحضارة بشكل كبير حينما برز على الساحة الفلسفية مجموعة من الفلاسفة. كسقراط وأرسطو وأفلاطون وآخرين   - ثم يأتي بعد هذا الأدب اليوناني الذائع الصيت حيث ظهر الشعر الملحمي والغنائي وأدب المسرح المتمثل في المسرحيات التراجيدية والكوميدية، ولعل أهمها «الإلياذة والأوديسا» وهما أشهر ملحمتين في التاريخ اليوناني القديم. لكن هذه الحضارة لم تصمد، فقد ترك اليونانيون القدماء عبادة الله وألهوا آلهة أخرى، وكان لكل مدينة معبودها الذي تفتخر به، وكانت لهم صولات وجولات في مسابقات رياضية كل أربع سنوات في مدينة أولمبيا التي سميت الألعاب الأولمبية باسمها حتى اليوم. لكن هذه الحضارة العريقة لم يكتب لها النجاح والاستمرار لحدوث الصراع العسكري بين أثينا واسبرطة، ثم غزو الملك المقدوني لليونان وإخضاعها له، وهو الذي خلفه ابنه الإسكندر الأكبر الذي بنى عدة مدن أشهرها الإسكندرية التي حملت اسمه إلى اليوم.. لكن امبراطوريته تفككت بعد وفاته.  ومن ذلك مدائن صالح أو «الحجر» الاسم القديم لهذه المدائن ويرجع تاريخها القديم إلى حضارة الأنباط، وتعد آثار الحجر من أهم المواقع الأثرية في المملكة العربية السعودية، حيث تدل المقابر المنحوتة في الصخور وعلى واجهات الجبال على وجود حضارات قديمة مزدهرة في فن العمارة والهندسة والنحت فكل واجهة تمثل مقبرة لعائلة ما، وبعض المقابر تكون فردية وأخرى منقوشة أبوابها بشكل متصل، وتقع مدائن صالح على بعد 22 كم شمال شرق مدينة العلا التي تتبع لمنطقة المدينة المنورة، وهي مدينة تاريخية قديمة حيث كانت تسمى بوادي القرى، كتب عنها التاريخ كثيرًا وتغنى بها الشعراء، ويسميها الأثريون بعاصمة الآثار.  وقد تعاقبت على حكم الحجر عدة ممالك هي الديدانيون ثم اللحيانيون ثم الأنباط ثم الرومان الذين سيطروا على شمال شبه الجزيرة العربية في عام 106م، وحولوا طريق التجارة إلى البحر الأحمر، الأمر الذي أفقد الحجر أهميتها الاستراتيجية من ناحية التجارة وحماية القوافل وتحصيل الضرائب، ويقال إنها كانت مقرًا لقوم ثمود الذين جاء القرآن الكريم بذكرهم أنهم رفضوا دعوة نبي الله صالح وعقرهم الناقة التي أرسلها الله لهم آية.  لكن مع ظهور الإسلام وانتشاره الكبير في مختلف أصقاع العالم عاد النشاط التجاري إلى سابق عهده بل بزخم أكبر وأصبحت الحجر محطة من محطات الحجاج وممرًا للقوافل القادمة من الشام والمتجهة نحو المدينة المنورة ومكة المكرمة. وقصص الحضارات التي سادت ثم بادت كثيرة، ولكن نكتفي بما ذكرنا، والحمد لله رب العالمين.

مشاركة :