في ظل الحديث عن الجهود الدولية الجماعية لمواجهة انتشار وباء كورونا تبادر إلى ذهني تساؤل مفاده: ما هو دور حلف الناتو في تلك الأزمة؟ وواقع الأمر أن مرد ذلك التساؤل ثلاثة أسباب أولها: أنه في ظل الجدل حول عدم وجود آليات جماعية دولية لمواجهة انتشار ذلك الوباء أو بالأحرى عدم قدرة التنظيمات الحالية -منها الاتحاد الأوروبي- على العمل بشكل جماعي خلال الأزمة فإن ذلك يثير التساؤل حول دور الناتو باعتبار أن هناك 22 دولة أوروبية تتداخل عضويتها بين الاتحاد الأوروبي والحلف، وثانيها: أن الحلف، صحيح أنه منظمة دفاعية بالأساس إلا أنه استطاع خلال العقود الأخيرة تقديم «القوة الناعمة» من خلال الاستشارات وتبادل الخبرات في مجالات عديدة، منها إدارة الأزمات وقد شرفت بأن أكون موجهاً أكاديمياً من منطقة الشرق الأوسط على مدى عشر سنوات ضمن تمرين إدارة الأزمات بكلية الدفاع التابعة للحلف بروما، ثالثها: أن للحلف شراكات على مستوى العالم ومصالح استراتيجية ربما يسعى منافسوه للنيل من تلك المصالح أو تهديدها. وتأسيساً على تلك الاعتبارات الثلاثة فإن التساؤل هو: ما هي خطة الحلف خلال تلك الأزمة؟قبيل الإجابة عن ذلك التساؤل وعلى الرغم من تأكيد ينس ستولتنبرج الأمين العام للحلف أن الهدف الأساسي هو ألا تتحول «الأزمة الصحية إلى أزمة أمنية» وأن الحلف «لديه استعداد قتالي عالمي حيث إن حماية سكان الدول الأعضاء الذين يبلغ عددهم نحو مليار نسمة لا تزال أولويته الرئيسية» فإن وباء كورونا قد مثل تحدياً هائلاً للحلف ليس بسبب تداعياته المتعددة بل في التوقيت إذ تزامن ظهور ذلك الوباء في وقت كان الحلف يستعد لتولي جزء من مهام التحالف الدولي لمحاربة داعش في العراق في أعقاب الدعوة الأمريكية للحلف بهذا الشأن وقبول الأخير لتلك المهمة، من ناحية ثانية كان الحلف سيبدأ في تخفيض قواته في أفغانستان على خلفية الاتفاق المبرم بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان.ودائماً ما تكون هناك استجابة من الحلف للأزمات التي يواجهها، ففي أعقاب اجتماع لوزراء خارجية الحلف في الأول من أبريل 2020 عبر الفيديو أكد ينس ستولتنبرج الأمين العام للحلف ثلاثة أمور مهمة الأول: تأكيد دور القوات المسلحة للحلف خلال الأزمات بالقول إن القدرات العسكرية تدعم الجهود المدنية من خلال مراقبة الحدود ونقل الإمدادات الطبية وعمليات التعقيم، والثاني: أنه يتعين على الحلفاء تحديد احتياجاتهم وطلب المساعدة من خلال مركز تنسيق الاستجابة للأزمات الإنسانية التابع للحلف وقد قدم الحلف بالفعل مساعدات لكل من إيطاليا وإسبانيا. الجدير بالذكر أن إسبانيا تقدمت بطلب رسمي للحلف للحصول على مساعدات تضمنت طلب 150 ألف مريلة طبية، و150 ألف جهاز تنفس و1000 جهاز لقياس الحرارة بالأشعة تحت الحمراء، و5 آلاف قناع طبي، و10 آلاف نظارة طبية واقية، و1.5 مليون قناع جراحي، و500 ألف من أدوات التشخيص الطبي، والثالث: أنه يجب على الحلف التفكير في كيفية استخدام قدراته بشكل أجدى وأسرع خلال تلك الأزمة.وعلى الرغم مما سبق يواجه الحلف ستة تحديات، أولها: إمكانية انتشار ذلك الوباء بين صفوف قوات الحلف في الخارج الأمر الذي يمكن أن يكون له تأثير على عملياته العسكرية، إذ أشارت تقارير إلى إصابة عشرين جندياً من قوات الحلف الموجودة في ليتوانيا بالفيروس، وثانيها: قدرة الحلف على الاستجابة لكل طلبات المساعدة وخاصة أجهزة التنفس الاصطناعي وبعض المعدات الطبية التي ربما لا يوجد لديه منها ما يمكنه من مساعدة الدول التي تطلب الدعم، فعلى الرغم من إعلان وزيرة الدفاع الألمانية أنيجريت كرامب كارنباور استعداد ألمانيا لتقديم المزيد من المساعدات لشركاء الحلف وأن الجيش الألماني قد ساعد بالفعل في نقل الحالات الخطرة من إيطاليا وفرنسا لتقلي العلاج في برلين فإنها أكدت أن استمرار تلك السياسة يتوقف على تطور انتشار الوباء ذاته ورغبات الشركاء وحجم الموارد المتاحة، وربما يرى الحلف أن مواجهة ذلك التحدي هو مسؤولية الحكومات الوطنية بالدرجة الأولى باعتباره تنظيماً دفاعياً إلا أنه يمكنه دعم القطاع المدني، وثالثها: الدعاية المضللة، ففي ظل دور كل من روسيا والصين في مساعدة بعض الدول الأوروبية أعضاء الحلف فقد وجد الحلف أنه تم توظيف تلك المساعدات من خلال دعاية مضللة يرى الحلف أنها تهديد هائل له، وفي هذا الإطار يقول الأمين العام للحلف: « إن حملات التضليل التي شهدناها تحاول تقسيمنا وتقويض عزمنا، الأمر الذي يمكن أن يجعل الأزمة الصحية أكثر خطورة، لأنها يمكن أن تضلل الناس في ما يصلح ولا ينجح في التعامل مع تلك الأزمة الصحية»، ورابعها: في ظل اعتماد كافة الدول الأوروبية أعضاء الحلف على جيوشها واستدعائها للتعامل مع تلك الأزمة فإن ذلك ربما يعطي رسالة خاطئة للقوى المناوئة للحلف وخاصة أنه تم إلغاء تدريبات كان الهدف الأساسي منها إظهار قوة الردع ضد روسيا، وخامسها: في ظل التداعيات الاقتصادية لأزمة كورونا فإن هناك شكوكا حول مدى التزام الدول الأعضاء في الحلف بتخصيص نسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي للنفقات الدفاعية وهي القضية التي كانت محلاً للخلاف بين الولايات المتحدة وبقية أعضاء الحلف، وسادسها: تحذير الأمين العام للحلف من سعي خصوم الحلف للسيطرة على شركات التصنيع الأوروبية، فضلاً عن الشركات التي تعمل في قطاعي المرافئ والاتصالات والبنية التحتية واستغلال هؤلاء الخصوم التحديات الاقتصادية التي تواجهها هذه الشركات ومن ثم السيطرة عليها. وعلى الرغم مما سبق وكون الأزمة تحدياً هائلاً حتى لأقوى التنظيمات الدفاعية كحلف الناتو فإن طريقة إدارة الحلف للأزمة بها ثلاثة دروس مهمة: الأول: فكرة التكامل بين الجهود المدنية والعسكرية خلال الأزمات وهو أمر مهم للغاية، والثاني: كيفية التعامل مع أزمة صحية وفي الوقت ذاته الحفاظ على القدرات الدفاعية والجاهزية العسكرية، والثالث: محاولة استخلاص الدروس المستفادة للتعامل مع التداعيات المحتملة للأزمة والتي من شأنها التأثير على عمل منظمة دفاعية بحجم وتأثير الحلف.ومع أن أداء حلف الناتو على هذا النحو يعكس طبيعة الحلف كمنظمة دفاعية بالأساس ووجود نظام مساعدة جماعي يتمثل في آلية الاستجابة للأزمات بالحلف، بالإضافة إلى وجود ميثاق منشئ للحلف يوضح ماهية الحلف والتزاماته تجاه دوله الأعضاء إلا أنه في تصوري سوف تملي تلك الأزمة على الحلف تطوير نظام الاستجابة الجماعي للأزمات، فضلاً عن استحداث آلية للتواصل مع الشركاء عبر العالم خلال أزمات مماثلة.{ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»
مشاركة :