في الوقت الذي كان فيه العالم مندفعًا نحو التنافسية السريعة في كل المجالات، التنافس في التسلح، والتنافس في الفضاء، والتنافس في الاقتصاد والمال والنفط، والتنافس في مجال الرياضة والبطولات العالمية، فإذا بجائحة الكورونا المستجد توقف كل ذلك في تحدٍّ سافر مع الحضارة الإنسانية. سمعنا وقرأنا كثيرًا عن الأمراض والأوبئة التي عصفت بالبشرية، واعتقدنا -خاطئين- أن تلك الأوبئة لن تعود لما نملكه من إمكانات كبيرة، وتحديدًا في الجانب الصحي والوقائي، ولكن جائحة كورونا المستجد (كوفيد 19) كشفت المستور، وأرسلت رسالة واضحة وهي أن الانسان مهما علا في الأرض إلا أنه أضعف مما نتصور، وما فيروس كورونا المستجد إلا أحد وآخر الشواهد! كان التحدي مع هذا الوباء كبيرًا، لا لخطورته فقط، ولكن لأنه تحدٍّ مع التجمعات البشرية المعرضة للهلاك، لذا سارعت الحكومات الواعية والمدركة لخطورة المرض بإجراءات احترازية، ومنها فض التجمعات وفي مقدمتها المدارس والمعاهد والجامعات فتم تعطيلها، والمجمعات التجارية والمتنزهات والاسواق فتم إغلاقها رغم معرفة حجم الخسائر المالية من ذلك الاغلاق! وكان لا بد من إغلاق دور العبادة من مساجد وجوامع ومآتم وكنائس حفاظًا على مرتاديها، وقد استجاب الجميع لنداء العقل والحكمة والمنطق حين رفعوا شعار #قاعدين-بالبيت. مع إغلاق المساجد والجوامع والإبقاء على الآذان ردد المؤذنون قول: «ألا صلوا في بيوتكم، ألا صلوا في رحالكم»، وهي عبارة تقال في النوازل والأعذار، فيلزم المسلم بيته وداره لأداء الصلوات، فالدين الاسلامي يتجاوب مع الظروف والمستجدات، فهو يصلح لكل زمان ومكان كما في القاعدة الفقهية (إن الأحكام تدور بعللها وجودًا وعدمًا) و(الضرورات تبيح المحظورات)، وهكذا الدين يتجاوب مع الانسان في السلم والحرب، والأمن والخوف، وفي الحل والترحال، والصحة والمرض (فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر) (البقرة 184)، فتم إغلاق دور العبادة لترجيح مصلحة جلوس الناس في بيوتهم. ومع إطلالة شهر رمضان المبارك، وبعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وفي ضوء توصيات الفريق الوطني الطبي للتصدي لفيروس كورونا (كوفيد 19)، فقد جاء التوجيه السامي لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بفتح جامع الفاتح لصلاة الجمعة بحضور الخطيب وعدد محدود لا يتجاوز عدد تجمعهم خمسة أشخاص، مع إلزامهم بلبس الكمامات وتحت رقابة الجهات الصحية المختصة، وذلك لنقل الخطبة والصلاة عبر أجهزة الإعلام لإظهار شعيرة الجمعة، وقد شاهد الجميع عبر تلفزيون البحرين ووسائل التواصل فضيلة الشيخ عدنان القطان خطيب جامع مركز الفتح الاسلامي وهو يلقي خطبتي الجمعة والصلاة بحضور عدد من المصلين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة. ومن أجل شهر رمضان، شهر العبادة، فقد تقرر إقامة صلاة العشاء والتراويح والقيام في شهر رمضان بجامع الفاتح الاسلامي، وبعدد محدود، وفق الاجراءات المتبعة، وتحت رقابة الجهات الصحية المختصة، وتعتبر البحرين هي أول دولة خليجية وعربية تتمسك بإقامة تلك الصلوات لما لها أهمية لدى المسلمين. إن رمضان هذا العام يختلف عما كان عليه في سالف الأيام، فهو يلزم المسلم بالتزام بيته، وجمع أهله وابنائه حوله، وإقام الصلاة والدعاء وقراءة القرآن في بيته كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، لا تجعلوا بيوتكم قبورًا). فعلاً رمضان هذا العام يختلف عن السنوات السابقة، لذا سيظل في الذاكرة أجيالاً متعاقبة، والأجمل هي حالة الانضباط وتحمل المسؤولية التي يظهرها المواطن بهذا الوطن.
مشاركة :