إذا نجح رئيس الوزراء العراقي المكلّف في تذليل العوائق التي تضعها الأحزاب في طريق تشكيله الحكومة الجديدة، واتفق معها بشأن حصصها في حكومته، فإنّه سيواجه لاحقا معضلة أشدّ تتمثّل في رفض الشارع لأي حكومة يتم تشكيلها وفق مبدأ المحاصصة، وهو الأمر الذي بدأت بوادره تلوح مع العودة التدريجية للاحتجاجات إلى شوارع بغداد. بغداد- تتداول الأوساط السياسية في العراق خبرا عن إمكانية اعتذار رئيس الحكومة المكلّف مصطفى الكاظمي عن استكمال تشكيل حكومته بعد أن واجهته الكثير من الصعوبات والعوائق وأصبح مشتّتا بين مطالبة الأحزاب بحصصها من المناصب الوزارية وضغوط الشارع المتأهّب لتجديد انتفاضته ضدّ نظام المحاصصة ورموزه وضدّ إعادة تدويرهم في أي حكومة قادمة. وبعد ظهور تسريبات عن التشكيلة الأوّلية لحكومة الكاظمي، صعّد تحالف الفتح الممثّل السياسي لفصائل الحشد الشعبي مطالبته بحصص في الحكومة. وقال النائب عن التحالف كريم عليوي إنّ على رئيس الوزراء المكلف التعامل بمسطرة واحدة وعادلة مع جميع المكونات في أسماء المرشحين للكابينة الحكومية دون انتقائية. وأضاف في بيان أنه “في حال إصرار القوى السنية والكردية على تقديم أسماء محددة للوزارات، فإننا كممثلين للمكون الشيعي سيكون لنا الحق أيضا في اتّباع هذا الأسلوب دون تمايز أو تنازل عن حقوق جماهيرنا ولن نجامل أي طرف مهما كان في دفاعنا عن حقوق المكون الشيعي”. ومن جهته عبّر التيار الصدري الذي يقوده رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر عن اعتراضه على الأسماء التي وردت في التشكيلة الحكومية المقترحة من قبل الكاظمي. وقارن حاكم الزاملي القيادي في التيار بين مصير الكاظمي ومصير المكلّف قبله بتشكيل الحكومة محمد توفيق علاوي، معتبرا أنّهما وقعا معا في نفس الأخطاء، وواصفا مهمّة الكاظمي بغير السهلة. وفي حين تعطّل تشكيل حكومة عراقية بديلة عن حكومة عادل عبدالمهدي التي اضطرها الحراك الاحتجاجي العارم إلى الاستقالة، بدأ الحراك ذاته يلاحق المكلّف الجديد بتشكيل الحكومة، حيث بدأت الحركة تعود تدريجيا إلى ساحة التحرير، معقل المحتجين المناهضين للحكومة والطبقة السياسية الحاكمة، وسط العاصمة العراقية بغداد، عقب تخفيف قيود الإجراءات الصحية الخاصة بالوقاية من فايروس كورونا. حاكم الزاملي: من غير المستبعد تكليف شخص رابع بتشكيل الحكومة حاكم الزاملي: من غير المستبعد تكليف شخص رابع بتشكيل الحكومة وأوّل ما قام به المحتجون في الساحة المذكورة تعليق العشرات من صور رئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي، وعليها إشارة حمراء، تعبيرا عن رفض الحراك الشعبي لجهود الكاظمي في تشكيل الحكومة الجديدة. والكاظمي من بين أسماء قليلة كانت تحظى بدعم شريحة واسعة من المحتجين، إذ جرى اقتراح اسمه لخلافة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي، إلا أن هذا الواقع تبدل كليا. ولا يحظى الكاظمي في الوقت الحالي بتأييد الحراك الشعبي داخل العاصمة بغداد بعد تسريب قائمة مرشحين للتشكيلة الحكومية المرتقبة، بينهم وزراء حاليون وسابقون وآخرون رشحتهم الأحزاب الحاكمة، وهو ما يرفضه المحتجون. ويقول الناشط غسان عدل لوكالة الأناضول إنّ “أي حكومة انتقالية تأتي بمحاصصة حزبية مرفوضة، ليس في ساحة التحرير فحسب، بل في كل ساحات الاحتجاج بالبلاد”. ويرى عدل وهو أحد المعتصمين في ساحة التحرير منذ أشهر أنّ “الجماهير أقوى من الطغاة والأحزاب والسياسيين”، متوعّدا بالقول “هذه الحكومة لن تمرّ. وفي حال تم تمريرها سنقوم بإسقاطها بخطوات تصعيدية”. وبموازاة ذلك يواصل الكاظمي مشاوراته مع الكتل السياسية لإكمال المرشحين لتشكيلته الحكومية المرتقبة قبل تقديمها للبرلمان لمنحها الثقة. ولا تبدو مهمة الكاظمي يسيرة في ظل مساعي الأحزاب الحاكمة لتمرير مرشحيها في الحكومة وإلا فستقف حجر عثرة في طريق تمريرها بالبرلمان، في حين يلوح المتظاهرون بالتصعيد ضد أي حكومة تشارك فيها الأحزاب الحاكمة. ويقول محمد دياب، وهو أحد المعتصمين بساحة التحرير إنّ “الكاظمي يعمل على تشكيل حكومة من الأحزاب الفاسدة لاستمرار نهب البلد”. ويتابع بالقول “لن نقبل بعد الآن أن يحكمنا الجهلة والسراق”. ويصب المحتجون جام غضبهم على النظام القائم ويعتبرون أنه أوصل حزبيين غير أكفاء إلى سدة الحكم حرصوا بالدرجة الأولى على مصالح أحزابهم، ما تسبب بشيوع الفساد وسوء الخدمات والتوترات الطائفية. ولا يزال العراقيون يشكون من قلة الخدمات الأساسية مثل الكهرباء ومياه الشرب وخدمات التعليم والصحة، رغم أن البلد يتلقى عشرات المليارات من الدولارات سنويا من بيع النفط. واحتج العراقيون مرارا على الفساد وسوء الخدمات خلال السنوات الماضية، إلاّ أن الاحتجاجات الحالية هي الأكبر من نوعها على الإطلاق، ونجحت في الإطاحة بحكومة عادل عبدالمهدي في ديسمبر الماضي. لا يحظى الكاظمي في الوقت الحالي بتأييد الحراك الشعبي داخل العاصمة بغداد بعد تسريب قائمة مرشحين للتشكيلة الحكومية المرتقبة، بينهم وزراء حاليون وسابقون وآخرون رشحتهم الأحزاب الحاكمة وقال محمد رضا أحد ناشطي ساحة التحرير “نرفض كل كابينة حكومية يجري تشكيلها بناء على المحاصصة الحزبية والطائفية، حيث يعاني البلد الويلات بسببها من سنوات طويلة”. وأضاف أن الاحتجاجات ستستمر حتى تحقيق أهدافها بتشكيل حكومة من المستقلين الأكفاء بعيدا عن الأحزاب الفاسدة ومحاسبة كل المتورطين بالفساد وقتل المحتجين. وأشار إلى أن النشطاء في مختلف ساحات الاحتجاجات سيتباحثون لاتخاذ الخطوات التصعيدية المناسبة بشأن الكاظمي وحكومته المرتقبة. والكاظمي الذي كلّفه الرئيس العراقي برهم صالح في التاسع من أبريل الجاري بتشكيل الحكومة الجديدة خلال مهلة 30 يوما، هو ثالث رئيس وزراء مكلف منذ استقالة حكومة عبدالمهدي، حيث فشل المكلفان السابقان محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي في حشد الدعم المطلوب لتشكيل الحكومة. وبدا أول الأمر أن حظوظ الكاظمي بتمرير حكومته أفضل من سابقيْه عندما أبدت القوى السياسية الشيعية والسنية والكردية البارزة دعمها لتكليفه، لكن الصورة بدأت تنقلب الآن بشكل كبير عندما بدأ النقاش يتطرّق لأعضاء حكومته ولحصص الأحزاب فيها. وعلى هذه الخلفية لم يستبعد حاكم الزاملي أن “تذهب الأمور نحو تكليف شخص رابع غير مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة في حال وصلت حواراته لطريق مسدود”.
مشاركة :