تعددت المظاهر المعبرة عن الحضارة المصرية في أوج مجدها، وكان على رأس هذه المظاهر الآلهة المصرية القديمة التى عبرت عن وجودها الاجتماعي والطبيعى، والتى كانت من ضمن جوانب هذه الحياة بكل ما بها من زخم وتناغم وازدهار.وقد تخطى عدد المعبودات في الحضارة المصرية القديمة الألف معبود التى كانت تمثل جوانب الحياة المختلفة، كالنمو، والشمس، والخصوبة، والفنون، والحياة والموت، وغيرها، إضافة إلى أن العديد من النصوص المصرية القديمة ذكرت أسماء بعض الآلهة دون الإشارة إلى طابعها أو دورها.«البوابة نيوز» تصطحبكم خلال أيام الشهر الفضيل في جولة لتاريخ مصر القديم، فحينما كانت أغلب دول العالم تنام في العراء، وتقتات من الترحال في دروب الصحارى، وتلتحف السماء غطاء لها، كانت مصر قوة ضاربة على كل المستويات، فمصر أول بلدان الأرض التى عرفت الإله ووحدته وعبدته، بل وجعلت لكل قوة كامنة في الطبيعة أو في الحياة المصرية «رمز» يعبّر عنها، أُطلق عليه لقب «إله»، لم يكن هذا الإله يعبد لدى المصريين، ولكنهم كانوا يجلونه ويقدسونه، لاعتقادهم أن روحه تحوى القوة الخارقة المسيطرة على هذا الجانب من جوانب الحياة، وفى حلقة اليوم سنتحدث عن الإله «بس».عُرف الإله «بس» برب المرح والفكاهة في مصر القديمة، وحظى بشعبية كبيرة خلال الدولة الحديثة، وعلاوة على أنه رب المرح والسرور في مصر القديمة، فقد عُرف أيضًا بأنه الرب الحامى للطفولة في العصرين اليونانى والروماني، وهو مصور على هيئة قزم ذى جسم معوج غير متناسق، مع كتف عريض، وصدر مترهل، وبطن منتفخة، وسيقان قصيرة مقوسة، وأذرع طويلة، وذيل يبرز من ثنية الفخذ وينسدل حتى الأرض.كان وجهه عريضًا وممتلئًا، وذا لحية مربعة، ولبدة أسد تظهر من أسفلها أذناه، والأنف أفطس، ويمتد لسانه للخارج في بعض الأحيان، وعادة ما كان يعلو رأسه تاج من الريش، وأحيانًا ما كان يصور بالأجزاء التناسلية ظاهرة.لعب الإله «بس» دورًا مهمًا في مصر القديمة كرب للمرح والسرور، فضلًا عن أنه كان يتسم بصورة أو هيئة هزلية ومريعة في آن واحد، هيئة تجمع ما بين البشرية والحيوانية، وتشيع الضحك والفزع في آن واحد، وقد حمل «بس» كرب حامٍ صفاتٍ شافية خاصة للسيدات الحوامل، كما كان حاميًا للنائمين والأطفال.ذاعت شهرة «بس» كرب حامٍ يتصدى للشر، ويطرد الشياطين والأرواح الشريرة؛ لذلك كثيرًا ما كان يصور وهو يمسك ثعابين في يديه، وعلاوة على ذلك فقد صور وهو يحمل السكاكين أو السيوف، والتى يستخدمها لدفع القوة العدائية، وحماية البشر من الكائنات الضارة، كما صور أيضًا وهو يحمل الدروع التى يتصدى بها للقوى الشريرة، ونظرًا لارتباطه بالرقص والموسيقى، فكثيرًا ما يصور وهو يمسك إحدى الآلات الموسيقية، مثل الدف أو الطبلة، ويؤدى بها رقصات ترفيهية تدخل المرح والسرور على القلوب، وتطرد الأرواح الشريرة في نفس الوقت، إذ تزعجها أصوات تلك الآلات.كان مركز عبادته في «دير المدينة» و«العمارنة»؛ إذ وجدت العديد من الأدلة لمقاصير عبادة محلية داخل منازل قرية العمال في «دير المدينة« و«العمارنة»، كانت تعبد فيها المعبودات المحلية، مثل «بـس» مع الربة «تا ورت»، ويؤكد ذلك القطع الجصية الملونة التى عثر عليها في قرية العمال في «دير المدينة» و«العمارنة»، والتى تشير إلى تزيين وزخرفة الغرف الداخلية بالمنزل بأشكال مختلفة للمعبودات الشعبية المختصة بالحماية، وفى طليعتهم المعبود «بس«، الذى لم تقتصر عبادته على مكان بعينه، إذ امتدت إلى مختلف أرجاء البلاد، واستمرت حتى العصر الرومانى، وفى الدولة الحديثة وضعت تماثيله داخل المنازل، وذلك تبركًا به، فضلًا عن أنهم كانوا يطلقون اسمه على الأبناء.اتسم «بـس» بالقدرة على تهدئة روع الأرباب، وبالترويح عنهم من خلال أداء رقصاته وعزف الموسيقى، والذى كان سببًا في كونه ربًا مختصًا بالمرح والسرور وإحداث البهجة، وقد ارتبط «بـس» بمفهوم الحماية، حيث لعب دورًا كبيرًا في حماية البشر، وبالأخص الحوامل والأطفال الصغار، فكان يقوم بطرد الأرواح الشريرة، وإبعاد الأمراض التى قد تصيبهم، هذا فضلًا عن دوره في تسهيل عملية الولادة للسيدة الحامل، وتخفيف آلام المخاض، وحماية النائمين من الأرواح الشريرة والكوابيس والأحلام المفزعة.
مشاركة :