تميزت مصر منذ فجر التاريخ بالعمارة، إذا خلفت العمارة المصرية القديمة العديد من الآثار التى تدل على حرفية وإتقان الفنان المصرى عبر العصور، وقدرته الفائقة على تشييد القصور، إذا كشفت الحفريات في مدينة تل العمرانة، والأقصر عن عدد كبير من القصور، واستمر الوضع عبر العصور والحضارات المتعاقبة على مصر فمرورًا بالعصر البيزنطى، والقبطى، والإسلامى، وحتى الدولة العلوية، فبدأت القصور في مصر تأخذ العديد من الطرز المعمارية، وفى هذه السلسلة من الحلقات والتى تستمر على مدى شهر رمضان الكريم سنتعرف على أهم القصور في مصر المحروسة.أغنى القصور بالنقوش واللوحات الفنية النادرة وبيانو نادر في الممر المؤدى إلى حجرة الملك حينما أطلقوا على «قصر عابدين» لقب «الجنة المفقودة» لم تكن مبالغة، فهذا أقل ما يمكن وصفه من جمال وروعه في التصميم، والزخائر من المقتنيات، واللوحات الفنية النادرة، بالإضافة إلى اللوحات الفنية التى رسمت على جدرانه، فكل ركن من أركان القصر حكاية ورواية وقصة». لذا كان أبناء وأحفاد الخديو «إسماعيل»، الذين حكموا مصر من بعده مولعين بوضع لمساتهم على القصر، وعمل الإضافات التى تناسب ميول وعصر كل منهم... ومن ذلك ما قام به الملك فؤاد الأول – ابن «إسماعيل» – والذى حكم مصر في الفترة من عام ١٩١٧ إلى ١٩٣٦م- بتخصيص بعض قاعات القصر لإعداد متحف لعرض مقتنيات الأسرة من أسلحة وذخائر وأوسمة ونياشين وغيرها، ثم قام ابنه الملك فاروق الأول الذى حكم مصر من عام ١٩٣٧م إلى عام ١٩٥٢- باستكمال المتحف وإضافة الكثير من المقتنيات، خاصة في الأسلحة بأنواعها، وألحق بالمتحف مكتبة متخصصة في هذا المجال، وفى عهد الرئيس حسنى مبارك عاد الاهتمام لهذا القصر العظيم، فتم ترميمه ترميمًا معماريًّا وفنيًّا شاملًا.فعند الصعود للدور الأول نجد عدة صالونات لعل أعظمها هو صالون قناة السويس، كما نجد حجرة البلياردو التى أهدتها الإمبراطورة أوجينى للملك إسماعيل، ثم تجد غرفة المائدة الصغيرة، والتى تحتوى على بابين أحدهما مخصص لدخول الملك والآخر لدخول المدعوين، كما نجد غرفة الملك فاروق، وصالون محمد على، وهو أكبر صالونات القصر، والذى يوجد أمامه مسرح من أبدع وأجمل من مسرح الأوبرا، وبه أيضًا الصالون الأبيض، والذى كانت تقام فيه حفلات الشاي. كما نجد الحرملك تلك المنطقة المُحرمة والتى كان يحرم على أى أحد الدخول فيها سوى أهل العائلة المالكة، والأمناء الخصوصيين «الشماشرجية» والوصيفات، وهو مزخرف بأعظم وأحسن القطع والتحف والتماثيل والسجاد والصور واللوحات. ويعتبر قصر عابدين أو الجنة المفقودة من أغنى القصور بالنقوش واللوحات الفنية النادرة والبالغة الروعة والجمال، وفى الممر الطويل الذى يؤدى إلى حجرة الملك نجد بيانو نادر مطعم بالأويمة، أما كرسيه فهو عبارة عن قطعة واحدة تم نحتها دون استخدام للغراء أو المسامير، أما الدرابزين فكان مزين بالزجاج الكريستال الفاخر وكان يضاء من الداخل وأطلق عليه «السلم البلوري». أما الملك فاروق فقد كان جناحه يتكون من عدة حجرات إحداها خصص كمكتب خاص، وأخرى كان صالونا للاستقبال، والحجرة الثالثة كانت غرفة النوم، أما حمام فاروق فلم يكن له مثيل في الروعة والجمال والفن الراقي. كما يوجد بالقصر جناح يسمى بـ«الجناح البلجيكي» وهو أفخم أجنحة القصر، وعن سر تسميته بهذا الاسم أنه أول جناج نزل فيه ملك بلجيكا، وأطلق عليه الملك فؤاد جناح ولى العهد وكان يحوى على غرفة نوم من أروع الغرف في العالم. أما القاعة البيزنطية فتعد تحفة معمارية فريدة من نوعها، فلا يمكن لأى إنسان أن يتخيل مدى روعتها ووصفها، وكأنك دخلت في إحدى حكايات ألف ليلة وليلة المليئة بالإثارة والدهشة والمغامرة.
مشاركة :