إلى أين تتجه الأزمة الاقتصادية في لبنان؟

  • 4/29/2020
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها العالم بسبب وباء كورونا استطاعت بعض الدول أن تتكيف مع هذه الأزمة وتدير شؤونها الاقتصادية والاجتماعية بكل اقتدار على الرغم من تداعياتها المؤلمة التي أثقلت كاهل الحكومات، ولعل دول مجلس التعاون الخليجي هي النموذج الأكثر تميزاً في إدارة هذه الأزمة. في المقابل هناك دول وأنظمة سياسية تمر بمخاض عصيب حتى قبل أزمة كورونا لتأتي هذه الجائحة كالقشة التي قصمت ظهر البعير، فالحكومة اللبنانية أعلنت في فبراير الماضي تخلفها عن سداد الديون المستحقة عليها لأول مرة في تاريخها، إذ كان يتوجب سداد 1.2 مليار دولار مستحقة في شهر مارس، و2.7 مليار دولار مستحقة في شهر أبريل، وقد بلغ إجمالي الديون المستحقة على لبنان 92 مليار دولار أي ما يعادل 170% من الناتج المحلي وهي من أعلى النسب عالمياً. بالإضافة إلى أزمة كورونا، يمر لبنان بأسوأ مرحلة اقتصادية نقدية في تاريخه بعد أن كان يتمتع بأعرق قطاع مصرفي في الشرق الأوسط، هو النظام المصرفي اللبناني، إذ تم خفض التصنيف الائتماني لعدد كبير من البنوك اللبنانية؛ نتيجة إفلاس ثلاثة بنوك أهمها بنك «لبنان والمهجر» الذي تأسس في 1951م والذي اختير كأفضل بنك لبناني، ولم تشفع له السبعة العقود الماضية من العمل المصرفي في مقاومة الفساد الذي يعم كافة القطاعات الحيوية في لبنان، وخاصة الاستهداف المتعمد لضرب الاقتصاد اللبناني والنظام المصرفي تحديداً، نتيجة لعدة أسباب منها: الفساد، والهدر الكبير لميزانية الدولة لدعم توجهات حزبية، ومحاصصة الزعماء والسياسيين، وكذلك الإهمال وجشع المصارف والتعصب الطائفي، وتعتبر الأزمة اللبنانية أكبر من مجرد أزمة صحية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية بل هي أزمة وطن مختطف فاقد لسيادته.ما يعانيه لبنان اليوم من أزمات متوالية بدءًا بتراكم الديون والعجز عن تسديد الأرباح المترتبة عليها وإفلاس المصارف وذوبان احتياطي المصرف المركزي وتنامي الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وآخرها أزمة كورونا التي تقف الحكومة عاجزة تماماً عن القيام بأبسط التدابير الاحترازية والوقائية لمواجهة هذا الوباء.. كل ذلك ينذر بدخول لبنان في نفق مظلم قد يؤدي به إلى حافة الفقر وانهيار الدولة.ونتيجة لتفاقم الأزمة المالية مُنع اللبنانيون والمستثمرون من تحويل أي مبالغ مالية إلى الخارج، وبسبب تدهور العملة اللبنانية التي أصبحت ضعيفة القيمة حل محلها الدولار الأمريكي في الأسواق اللبنانية مما يؤدي إلى تضخم يجعل الشعب عاجزا عن توفير قوت يومه.يعتمد لبنان في دخله القومي بشكل أساسي على تحويلات اللبنانيين المقيمين في الخارج، وهذه العملية تراجعت لانعدام الثقة في البنوك اللبنانية، وكذلك استثمارات الأجانب في لبنان، وهي الأخرى شبه متوقفة بسبب الأزمات السياسية التي يمر بها لبنان وبسبب اختطاف الدولة من قبل أحزاب سياسية أخضعت كافة قوانين وأنظمة الدولة لأهدافها الحزبية، وإقحام لبنان في صراعات إقليمية هو في غنى عنها وعن تبعاتها الاقتصادية والسياسية، أما السياحة الأجنبية في لبنان فقد بدأت تعاني منذ أكثر من تسعة أعوام وقد كان المحرك الرئيسي لها مواطني دول مجلس التعاون الخليجي، إذ كانت السياحة تشكل أحد أهم موارد الدخل القومي اللبناني.من المتوقع ألا تتمكن المصارف اللبنانية من فتح أبوابها في الفترة المقبلة، مما يعطي مؤشرا على أن الأزمة المالية اللبنانية تسير من سيئ إلى أسوأ، وأن حرب لوردات الفساد والسلطة السياسة تزيد من انغماس لبنان أكثر فأكثر في مستنقع الفقر، ومن المؤكد أن هناك تواطؤا لأطراف نافذة في الدولة سهلت خروج مئات الملايين من العملة الصعبة من الخزينة اللبنانية لدعم أنظمة سياسية ودعم فصائل مسلحة في المنطقة وتمويل حروب مما استنزف ميزانية الدولة اللبنانية، فهل يصل الحال بالحرب السياسية الباردة في لبنان إلى جوع قادم للقاعدة العريضة من الناس، في ظل فقر يطرق الأبواب وبنوك تفتقر إلى السيولة، ونفق مظلم ومصير مجهول للاستثمارات في لبنان؟! لقد دعا ميشال عون رئيس الجمهورية اللبنانية في خطاب له في 6 أبريل 2020م المجتمع الدولي إلى دعم لبنان ماليًا لمساعدته على تخطي الانهيار الاقتصادي الحاد الذي يشهده منذ أشهر وفاقمه انتشار وباء فيروس كورونا المستجد. إن ما نؤكده دائماً هو أن أي إصلاح لأي منظومة سياسية لا بد أن يبدأ من الداخل يصاحبه النأي بالنفس عن أي صراعات إقليمية أو المشاركة في زعزعة أمن واستقرار أي قُطر آخر، ومع تعيين حكومة جديدة بقيادة حسان دياب وتطلع الشعب اللبناني إلى مرحلة جديدة يعاد فيها توجيه سياسة لبنان الخارجية إلى مسارها الصحيح واستعادة الأموال المنهوبة من سارقيها وإجراء إصلاحات لمكافحة الهدر، والفساد، والمحاصصة الطائفية، بعيداً عن أي ولاءات خارجية أو محاصصة طائفية، وإن كانت الشكوك مازالت تحوم حول مدى نجاح الحكومة الجديدة في تأدية مهامها بالشكل الذي يأمله الشارع اللبناني في ظل بقاء قيادات سابقة في مراكز صنع القرار، فالبعض يرى أن التغيير إنما هو جزئي وليس كليا، إذ خرج اللبنانيون في احتجاجات شعبية في أكتوبر 2019م تطالب بإسقاط الرئاسات الثلاث في لبنان وهو ما لم يتحقق بشكل فعلي، وهذا يضع حكومة دياب أمام تحدّ كبير في مواجهة سلطة الأحزاب وتخطيها وهذا يظهر من خلال تشكيل وزارات الدولة والمساعي في ترميم العلاقات مع المحيط العربي ومتى ما تحقق ذلك فسوف يجد اللبنانيون اليد الحانية من أشقائهم في دول مجلس التعاون الخليجي ممدودة كما عهدوها طوال عقود مضت، فلا يليق بلبنان الثقافة والعلم والفن والأدب أن يصبح بلداً متسولاً. 

مشاركة :