تطرقنا في الأسبوع الماضي «22 أبريل 2020» إلى مقترحِ النواب حول فرضِ ضرائب على بعضِ الشركاتِ بنسبٍ تتراوح بين 5 – 2% كما اقترح نوابٌ آخرون تعديلَ قانون الضمانِ الاجتماعي بخصم 1% من أرباحِ الشركات التي يزيد دخلها على خمسةِ ملايين دينار. خلصنا في ذلك المقال إلى أن الضرائبَ أمرٌ مسلم به في الدولِ غير النفطية، كما أنها تفرض حوكمة وإدارة معينة للمال العام خاضعة للمساءلة والشفافية والإفصاح. والقضية الثانية هي أن تشابكَ دولِ الخليج يفرض أن يتم التعامل مع الضرائبِ بشكلٍ شمولي لتفادي هروب رؤوس الأموال والمستثمرين إلى دول أخرى. والقضية الثالثة هي وضعُ حلولٍ لمحاربةِ التهرب الضريبي والآثار الجانبية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المحتملة من فرض الضرائب.على أثر ذلك أجرت الصحفُ مقابلاتٍ مع بعض الاقتصاديين وأعضاء مجلس الشورى والنواب كما كانت مقابلات أشمل من عام 2016 وطرحوا أفكارًا وقضايا أخرى ارتأينا طرحَها ومناقشتها. من حيث المبدأ يرحب الاقتصاديون بمقترحِ فرض الضرائب، غير أن تفاصيلَها ليست موضعَ إجماع. القضية الأولى التي يطرحها الاقتصاديون هي أن الوقت قد لا يكون مناسبا لفرض ضرائب كون الاقتصاد يمر بمرحلة صعبة وأي نقص في السيولة بسبب الضرائب سوف يؤثر سلبًا على الأداء الاقتصادي. نقول إن هذا افتراض يقوم على أن المال إما أن يذهب إلى استهلاك أو ضريبة. هذا الافتراض صحيح بالنسبة إلى الفقراء ومتوسطي الدخل وإلى حد كبير الشركات الصغيرة والمتوسطة، أما بالنسبة إلى الطبقة الغنية فإن خياراتها أكثر، والنسبة الأكبر من إيراداتها تذهب إلى الادخار أو الاستثمار أو عقارات غير إنتاجية، أو الشراء الاستهلاكي «الكماليات» من الخارج، وحتى كثير من استثماراتها تكون خارج البلاد. وبالتالي فإن الضريبة، إذا ما فرضت على الطبقة الغنية، قد تضخ سيولة في السوق أكثر مما تأخذ. لتحقيق ذلك لا بد أن تكون الضرائب تصاعدية على الأغنياء وعلى الثروات الكبيرة التي يصعب نقلها وعلى التحويلات للخارج. ثانيا: من حيث علاقة الضرائب باستقطاب الاستثمارات فإن الوضع أكثر تفاؤلا. يستبعد أحد المشاركين في أن تؤثر الضرائب على استقطاب الاستثمارات إلى المملكة، بل يرى أنها قد تشجع المستثمرين كونها تعطي صورة عن تطور الاقتصاد ومتانته. وأن جميع دول العالم تفرض ضرائب دون أن تتأثر قدرتها التنافسية في استقطاب الاستثمار. يرى هذا الرأي أن العامل الأهم هو البيئة الاستثمارية والشفافية وفرص الاستثمار المتوافرة. فأكثر ما يخيف المستثمرون هو النظام القضائي وضمان سلامة أموالهم ومستوى الشفافية في التعامل. فمثلا دول الخليج تفرض ضرائب على أرباح الشركات تصل إلى 20% في بعض الدول، والبحرين هي الاستثناء في عدم فرض ضرائب. ثالثا: طرح المشاركون أن فرض ضرائب له جوانب اجتماعية واقتصادية وسياسية لا بد من مناقشتها ودراستها بتأن ومعرفة تأثيرها وكيفية صرفها وإدارتها ومدى الحاجة إليها. ويرى أصحاب هذا الرأي أنه في ضوء وجود احتياطيات لدول الخليج تفوق تريليونين من الدولارات، فهل يكون الحديث عن فرض ضرائب مناسبا، دون معرفة كيف ستُدار هذه الأموال وما مردوداتها؟ رابعا: يبدو أن هناك تناقضا واضحا بين موقف الاقتصاديين وموقف جمعية رجال الأعمال البحرينية. ترى الجمعية أولا أن التوقيت غير مناسب، وهذا الجانب من رفضها مفهوم ومبرر. لكن الجمعية تقول بأنها لا تشاطر النواب رأيهم في الحاجة إلى الضرائب. أي أنهم يرون أنه لا توجد حاجة إلى فرض الضرائب وهذا موقف لا تدعمه الحقائق ولا يدعمه واقع سوق النفط المتذبذب. أحد أسباب رفض الجمعية هي زيادة الأعباء على التجار بفرض الرسوم والأعباء المالية الأخرى والتي أدت إلى تعثر عدد من هذه الشركات. نتفق مع الجمعية بأن الرسوم كان لها تأثير سلبي على السوق، كونها تفرض على الشركات الخاسرة والرابحة لأن الضرائب على الدخل. لكن تنتقل الجمعية إلى أن الضرائب سوف تؤدي إلى تشوهات اقتصادية دون أن تفصح ما هذه التشوهات؟ ولماذا تحدث في البحرين ولمَ لا تحدث في الدول التي تفرض ضرائب؟ تحتاج جمعية رجال الأعمال إلى أن تكون أكثر دقة في طرحها وأن تقدم أدلة على رأيها بأن الضرائب ستؤثر سلبا على النشاط الاقتصادي والتجاري. ومع ذلك نقول إن هذا التأثير يكون في الحالات التي تكون سياسة الضرائب سيئة وليس لمجرد فرض الضرائب. خامسا: يرى آخرون أنه لا يمكن مناقشة الضرائب دون النظر إلى الهيكل الاقتصادي العام وإلى التنمية بشكل أوسع. الأهم هو زيادة الجهود في تنويع الاقتصاد وفقا لرؤى طويلة الأجل تركز على الصناعات والخدمات والسياحة وخلق قطاعات جديدة قادرة على توليد وظائف للمواطنين. الدولة هي القادرة على وضع مثل هذه السياسات ووضع قانون شامل للضرائب يتناسب مع سياسات التنمية. والدولة، أكثر من أي جهة أخرى، هي اللاعب الأساسي في الحركة الاقتصادية من خلال سياساتها ومستوى الإنفاق والضوابط والقوانين التي تمارسها وطريقة تنفيذها. وضع قانون متكامل هي من مهام الدولة، كما يرى أحد المشاركين أن يناقش باستفاضة في المجالس التشريعية وفي المجتمع ككل وأن تعقد الندوات حوله لتوصيله إلى فهم المواطنين بمختلف مستوياتهم. إن النظام الضريبي يعني تغييرا أساسيا في الهيكل الاقتصادي، وفي العلاقات الاجتماعية وعلاقة الدولة بالمواطن، ونظام الحوكمة والمساءلة. هذا يعنى أن وضع مثل هذا النظام يحتاج إلى جهات عديدة يستعان بها مثل البنك الدولي، والاستعانة ببيوت الخبرة، ودراسة تأثيرها على الناس، وعلى أوضاعهم الاجتماعية، وحقوقهم السياسية والاقتصادية والقدرة على الصرف والإنفاق، وهي جميعها دراسات ينبغي أن تقوم بها مؤسسات الدولة.mkuwaiti@batelco.com.bh
مشاركة :