تعدد الانتماءات والوحدة السياسية - محمد محفوظ

  • 6/23/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

دائماً المجتمعات المتعددة والمتنوعة سواء أكان أفقيا أم عموديا، تولي لموضوع وحدتها الاجتماعية والوطنية أولوية خاصة، وذلك لأن طبيعة الاختلاف في الانتماءات والميولات والخصوصيات الثقافية، يملي على مؤسسة الدولة أهمية الحفاظ على وحدة هذا المجتمع والوطن، بحيث لا تتحول الانتماءات المتعددة في الإطار الوطني والاجتماعي الواحد، إلى مبرر لتضعيف البناء الوحدوي للمجتمع والوطن. ولو تأملنا في الخريطة الايدلوجية والمذهبية والقومية للمجتمعات الإنسانية اليوم، لرأينا أن كل المجتمعات الإنسانية تعيش حقيقة أو أكثر من حقائق التنوع والتعدد، وأنه على وجه البسيطة لا يوجد مجتمع متجانس في كل دوائر الانتماء التي تعيشها المجتمعات الإنسانية المعاصرة. فإذا كان المجتمع موحدا في دينه فهو يعيش حالة التعدد والتنوع على مستوى المذهب والمدارس الفقهية الإسلامية. وإذا كان موحدا في الدين والمذهب نجد أن تعدده وتنوعه يأتي من البعد القومي أو العرقي للمواطنين. وعليه فإن المجتمعات الإنسانية قاطبة تعيش حالة التعدد والتنوع. وإن وحدة هذه المجتمعات لم تنجز على أنقاض حقائق تنوعها وتعددها وإنما أنجزت من خلال احترام هذه الحقائق وإفساح المجال لها لإثراء الواقع الاجتماعي والثقافي من خلال خصوصياتها وعناصر القوة الذاتية. وعليه فإننا نرى أن الوحدات الوطنية في المجتمعات المتنوعة، لا يمكن أن تبنى وتصان من خلال تجاهل حقائق التنوع والتعدد فيها؛ لأن عملية التجاهل المنهجية تحرض أهل كل هذه الحقائق للتمسك الصلب بحقائقها وثقافتها لأنها بدأت تشعر أنها مستهدفة في بعض خصوصياتها أو ثقافتها. وبالتالي فإن المطلوب في المجتمعات المتنوعة هو كيف نحافظ ونحمي وحدتنا الاجتماعية والوطنية في ظل واقع اجتماعي متعدد ومتنوع. حين الاقتراب الموضوعي من هاتين الحقيقتين، حقيقة الوحدة الوطنية التي هي من ضرورات الوجود والمنعة، وحقيقة التنوع الذي يعيشه المجتمع على أكثر من مستوى نجد أن المطلوب أمام هذه الحقائق الالتزام بالنقاط التالية: 1 الالتزام بسياسات الاحترام والاعتراف بالحقائق الموجودة في المجتمع لأن تجاهل هذه الحقائق سيقود إلى تمسك أصحابها بشكل صلب، ما يقلل من إمكانية بناء الوحدة الوطنية على أسس صلبة وصريحة. كما أن العمل على إفناء أو مخاصمة هذه الحقائق، سيقود المجتمع على المستوى العملي إلى التحول إلى مجتمعات متعددة ولكنها تعيش تحت سقف وطني واحد. ولكن مع انفجار الهويات الفرعية لأغلب الانتماءات الموجودة في مجتمعاتنا، فإن وجود مجتمعات متخاصمة أو متباعدة في إطار وطني واحد، فإنه سيفضي باستمرار إلى دخول الوطن في تحديات ومشكلات لا يمكن معالجتها، لأن هذه التحديات تتغذى باستمرار من حالة الشعور العميق لجميع هذه الانتماءات للتعبير عن ذاتها بشكل صريح وفاقع. لو نظرنا إلى المجتمعات الإنسانية المتقدمة والمتطورة، والتي تعيش حقائق التنوع على أكثر من صعيد ومستوى، لوجدنا أن هذه المجتمعات، لم تتجاهل حقائق التنوع في مجتمعها، كما أنها لم تتعامل معها بقسوة، وإنما احترمت هذه الحقائق ووفرت لها قانونيا واجتماعيا التعبير السلمي والموضوعي عن ذاتها وهذا بطبيعة الحال في ظل غياب العلاقة السوية والايجابية بين مختلف المكونات، سيؤدي إلى توتر العلاقة ويفاقم من حالات غياب الثقة ببين جميع الأطياف والتعبيرات. لذلك فإننا نعتقد أن أسلم الخيارات وأصوبها هو التعاطي الإيجابي مع حقائق التنوع والتعدد وضبطها جميعا بقيم الوحدة الوطنية ولوازمها الأخلاقية والقانونية. ولو نظرنا إلى المجتمعات الإنسانية المتقدمة والمتطورة، والتي تعيش حقائق التنوع على أكثر من صعيد ومستوى، لوجدنا أن هذه المجتمعات، لم تتجاهل حقائق التنوع في مجتمعها، كما أنها لم تتعامل معها بقسوة، وإنما احترمت هذه الحقائق ووفرت لها قانونيا واجتماعيا التعبير السلمي والموضوعي عن ذاتها وضبطت كل هذه الخصوصيات والتعبيرات بمنظومة أخلاقية وقانونية، بحيث يحترم الجميع مقتضيات الوحدة الوطنية ومتطلباتها الوطنية والاجتماعية. وعليه فإننا نرى أن أسلم الخيارات المتاحة للتعامل مع المجتمع المتعدد والمتنوع هو الاعتراف بهذه الحقائق والتعامل معها بوصفها هي من عوامل تعزيز الوحدة الوطنية وليس من مخاطرها أو نقاط ضعفها. 2 في الوقت الذي ندعو الجميع للالتزام بسياسات الاعتراف والاحترام لحقائق التنوع الموجودة في المجتمع والوطن، ندعو في ذات الوقت إلى بناء مجتمع سياسي موحد وبعيد عن كل نزعات التمترس الطائفي أو القومي أو العرقي. نحن مع احترام التنوع في الدائرة الاجتماعية، ولكننا ضد نقل هذا التعدد إلى مؤسسة الدولة أو ما يمكن أن نطلق عليه المجتمع السياسي. نعترف بالتعددية في الدائرة الاجتماعية، ولكن في المجتمع السياسي ينبغي أن نحافظ على الوحدة بكل مستوياتها وتجلياتها، بحيث تكون المواطنة بكل حمولتها الحقوقية والدستورية، هي معيار من يحق له الالتحاق بالمجتمع السياسي. وبهذه الطريقة نحن نحافظ على وحدة المجتمع والوطن من خلال بناء الوحدة الوطنية والاجتماعية على قاعدة القبول التام بكل حقائق التعدد والتنوع. وفي هذا السياق من الضروري بيان أننا ضد أية مخاصمة طائفية أو عرقية أو قومية في المجتمع السياسي ومؤسسات الدولة. فالكفاءة الوطنية وحدها هي مقياس من يحق له المشاركة في عضوية المجتمع السياسي. وإن اعترافنا بحقائق التنوع والتعدد، ينبغي ألا يتعدى الميدان الاجتماعي والثقافي بكل مستوياتهما. فالدولة بكل مؤسساتها موحدة، ومعيار الشراكة فيها هو الكفاءة الوطنية. أما المجتمع فهو يعيش حالة التنوع بكل مستوياتها، ويتنافس الجميع في الدائرة الاجتماعية بدون أي ضغط سلبي على أي مستوى من مستويات الانتماء الموجودة في المجتمع. 3 في الوقت الذي ندعو إلى احترام كل حقائق التنوع الموجودة في المجتمع، ندعو في ذات الوقت إلى وطن واحد موحد يحتضن الجميع ويعمل على توفير كل مستلزمات الحياة الكريمة للجميع. ووحدة الوطن ليست من القضايا القابلة للمقايضة بل هي من الثوابت التي تصل إلى حد ما يطلق عليه المقدس السياسي، الذي ينبغي لكل أبناء الوطن الحفاظ عليه وحمايته من كل المخاطر والتحديات. وبهذه الآليات نصل إلى معادلة قائمة على العناصر التالية: احترام كامل للخصوصيات الثقافية والاجتماعية ومجتمع سياسي موحد معيار الالتحاق به هو الكفاءة الوطنية بصرف النظر عن انتماءات هذه الكفاءات الوطنية، ووحدة وطنية لا مساومة عليها، وتصان وتحمى من الجميع، ويتم الدفاع عنها بالغالي والنفيس. وفق هذه المعادلة تتمكن المجتمعات المتنوعة والمتعددة أن تبني وحدة وطنية صلبة، لا يخشى عليها مهما كانت التحديات أو المكائد التي يكيدها أعداء الوطن. فالانتماءات بكل مستوياتها، هي حقائق اجتماعية وثقافية عنيدة، وقادرة على الدفاع عن نفسها مهما كانت القوة التي تريد اجتثاثها أو استئصالها. وإن هذه الحقائق بحاجة إلى احترام قانوني ومؤسسي لوجودها وخصوصياتها، وإن هذا الاحترام القانوني والمؤسسي، سيحولها إلى طاقة خلاقة لإثراء حقائق الوحدة الوطنية، وستدافع بكل ما تملك عن وطنها ووحدته. لمراسلة الكاتب: mmahfood@alriyadh.net

مشاركة :