سياسة حافة الهاوية.. اليونان مثلاً! - فهد عبدالرحمن المعجل

  • 6/23/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في أكتوبر 2011 كتبت مقالاً في جريدة "الرياض" العدد 15817 تحت عنوان (العصا لمن عصى)، تحدثت فيه عن أزمة الديون اليونانية وسأحاول هنا وبشكل مختصر للغاية التوضيح لعزيزي القارئ عن أسباب استمرار هذه الأزمة منذ ذلك الوقت وحتى اليوم. اليونان مثلها مثل أي دولة أخرى ليس في اوروبا فحسب بل العالم اجمع، تقوم بتمويل العجز في ميزانيتها من خلال اصدار سندات حكومية وبيعها على بنوكها المحلية واخرى دولية، وحتى تدخل اليونان الاتحاد الأوروبي تحايلت واستدانت بالقروض من بنوك اوروبية ودولية مقابل تنازلها عن جماركها وإيراداتها لفترة زمنية محددة وبهذا دخلت الاتحاد بالخداع والتضليل حتى وصل عجز الموازنة إلى 139% من إجمالي ناتجها المحلي ومديونيتها إلى 144%.. اذا نستطيع ان نجزم ان أزمة اليونان نتجت عن عدم الشفافية وضعف الإنتاجية وبالطبع الكثير من الفساد، فمعايير الاتحاد الأوروبي التي وضعها لتلائمه وتوافق عليها الدول الشريكة فيه هي السبب، منها أن عجز الموازنة في هذه الدول لا يزيد على 3% من إجمالي الناتج المحلي، والشرط الثاني أن قروض هذه الدولة لا تزيد على 60% من إجمالي الناتج المحلي. الحقيقة التي يعلمها القادة الاوروبيون انهم امام تحد كبير يهدد وحدة الاتحاد بكامله وليس استمرار اليورو كعملة موحده لكافة دول الاتحاد، لذا فالمستشارة الالمانية ميركل تحاول مع فريقها الاقتصادي منذ أكثر من أربع سنوات ان تفرض شروطاً واضحة ومحددة لإنقاذ اليونان من ازمتها الحالية، فالألمان يرون ان زمن طباعة المزيد من السندات وبيعها للبنوك الالمانية والاوروبيه قد ولى، ولهذا السبب تحديدا تقاتل المستشارة الالمانية منذ عدة أشهر على تغيير معايير انقاذ أي دولة اوروبية تعاني من عدم القدرة على الوفاء بالتزماتها المالية تجاه البنوك الاوروبية.. ألمانيا باقتصادها القوي تستطيع تغطية عورة اليونان المنكشفة امام البنوك العالمية ولكنها بالتأكيد لن تقوم بذلك مجانا فهي تسعى الى ربط تلك المساعدات بتنازل الحكومة اليونانية عن مجموعة من الاصول اليونانية المدرة للدخل مثل محطات الكهرباء والطاقة وايرادات الجمارك وحتى الرسوم على الطرق السريعة وهو ما ادى الى تأجيج مشاعر اليونانيين وخروجهم للشارع وتغيير الحكومة السابقة والضغط على الحكومة اليونانية الحالية لعدم بيع أصول بلادهم للألمان بثمن بخس. الالمان ومعهم الفرنسيون يعلمون تماماً أن من قام بالتضليل هي شركات ومصارف اميركية على رأسها غولدمان ساكس عندما قامت بعمليات مالية معقدة لإخفاء ديونها ودفعها، اي اليونان، الى التسلل بطريقة مضللة تحت جناح دول اليورو. على الضفة الاخرى من الاطلسي الحكومة الاميركية تراقب الوضع بكل دقة، وهي تعمل بكل دهاء على استمرار تلك الازمة لسبب بسيط فالحكومة الاميركية لا تهتم كثيرا في بقاء او خروج اليونان من الاتحاد الاوروبي فهذا أمر ثانوي بالنسبة لها حتى لو بدا في الاعلام خلاف ذلك، ما يهم الدوائر الاقتصادية الاميركية في حقيقة الامر هو ضرب اليورو بكل قوة والتشكيك في صلاحية اليورو كملاذ آمن للاستثمار أو على الاقل كعملة احتياط موازية للدولار، وهي بالتأكيد، أي الحكومة الاميركية ومعها دوائرها الاقتصادية، لا ترغب في حل مشكلة الديون اليونانية بشكل جذري كما تريد المستشارة الالمانية بل بالأسلوب الاميركي الاشهر الا وهو أسلوب الإبرة المخدرة حتى يعود الألم مره أخرى أكثر قوة وأشد ألماً. سياسة حافة الهاوية هي سياسة أميركية بكل امتياز، والبعض قد يتذكر الصراع بين الادارة الاميركية والكونغرس قبل سنوات قليلة حول رفع سقف الدين الحكومي والدراما الاميركية المصاحبة لها. الدوائر الاقتصادية الاميركية تدفع بكل قوه دول الاتحاد الاوروبي الى اختيار النموذج الاميركي في حل المشاكل الاقتصادية ألا وهو التيسير الكمي، طباعة المزيد من أوراق اليورو ومزيد من السندات وضخ مزيد من النقد في البنوك وتخفيض الفائدة، تماماً مثل ما قام به مجلس الاحتياط الامريكي والفدرالي الاميركي، هكذا وبكل بساطة وفي تهميش واضح ومتعمد لأبجديات السياسة النقدية والمالية لأي دولة!.

مشاركة :