يونس السيد لم يعد أمام اللبنانيين من خيار سوى النزول إلى الشارع، ليس من أجل الصراخ في وجه السياسيين، الذين تحالفوا مع وباء كورونا على قتلهم، وإنما لانتزاع حقوقهم من هؤلاء الذين تناوبوا على تدمير البلاد، ومقوماتها الاقتصادية، وقدراتها المالية والمصرفية، وطاقاتها الخدماتية والإنتاجية، على مدار عقود. فحين قرر اللبنانيون إسماع صوتهم للطبقة السياسية خلال الاحتجاجات التي انطلقت في 17 أكتوبر الماضي، وكان من بين مطالبهم رحيل هذه الطبقة الموغلة في الفساد، على حساب لقمة العيش للأغلبية الساحقة من اللبنانيين، لم تأبه الطبقة السياسية كلها لهذه المطالب، طالما أن المسؤولية يتحملها الجميع، وطالما أنها لا تحدد شخصاً، أو مسؤولاً معينا للرحيل. وعندما قرر المتظاهرون إعلاء موجة الاحتجاج، وتوسيع وتيرة الحراك، تداعى السياسيون للتضحية بالحكومة على أمل إعادة تجميلها بوجوه جديدة، لكن حتى هنا اختلف السياسيون على الأسماء، والحصص، والآلية، والبرنامج، ما أدى إلى تغييرها بالكامل، والمجيء بحكومة جديدة، ظاهرها من المختصين والتكنوقراط، وباطنها سياسي، وطائفي، يقوم على نظام المحاصصة المتبع منذ عقود.،هذه الحكومة التي سمت نفسها بالإنقاذية، وتعهدت بوضع خطة إصلاحية للتصدي للازمة الاقتصادية الخانقة، ومعالجة التدهور الاقتصادي والمالي، لم تفعل شيئاً حتى الآن، باستثناء تأجيل سداد سندات اليورو، منذ تشكيلها في أواخر يناير الماضي. والأسوأ أنه، خلال هذه الفترة، تفاقمت الأزمة بسرعة قياسية، مع تعطل عجلة الإنتاج، وتراجع الاقتصاد، وانهيار النظم المالية داخلياً، وخارجياً، بسبب الحجر المنزلي الذي فرضه وباء كورونا، وربما يكون لبنان من أكثر الدول تأثراً بذلك، لكون اقتصاده يقوم على النظام المصرفي الخدماتي. فخلال هذه الفترة انهارت الليرة اللبنانية، ولامس سعر صرفها الأربعة آلاف مقابل الدولار، فيما بقي سعر الصرف الرسمي مثبتا ًعلى 1507 ليرات، مقابل الدولار، الأمر الذي انعكس على القدرة الشرائية، بينما تضاعفت الأسعار على نحو جعل لقمة عيش اللبنانيين في خطر، وبات يمهد لثورة جياع شاملة . فاللبناني العادي لم يعد تهمه الاتهامات المتبادلة بين السياسيين، حول المسؤولية عن هذه الأزمة، وإن كان هناك ما يؤخذ على دور حاكم مصرف لبنان بسبب عدم قيامه باتخاذ إجراء عملي لوقف تدهور الليرة، إلا أن الجميع يتحمل المسؤولية، والمقصود هنا بالجميع المسؤولون المتنفذون، وامتداداتهم، الطائفية، والسياسية. الانفجار الاجتماعي الذي حدث في طرابلس، وامتدت شظاياه إلى بيروت، وبعض أنحاء البقاع، والجنوب، ليس سوى رسالة تحذيرية لكل الطبقة السياسية، بأن الحراك الشعبي السلمي الذي انطلق في 17 أكتوبر، وتم تجاهله أو الالتفاف عليه، قد لا يكون سلمياً هذه المرة. فما شهدناه خلال الأيام الماضية من عنف خلال الاشتباكات، وقطع الطرقات، وإحراق المصارف، يشي بخطورة الذهاب نحو الفلتان الأمني وعدم الاستقرار، وربما يتحول إلى انفجار اجتماعي شامل. younis898@yahoo.com
مشاركة :