رام الله – اضطر الرئيس الفلسطيني محمود عباس الأربعاء إلى إلغاء قرارين يقضيان بتعديل قانون المكافآت والتقاعد للوزراء والنواب بعد انتقادات شديدة من جهات حقوقية وأهلية، لاسيما وأن السلطة ما فتئت تتحدث عن أزمة مالية خانقة تعانيها الأراضي الفلسطينية جراء الاقتطاعات الإسرائيلية وتفشي جائحة كورونا. وأعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن عباس “ألغى حزمة التعديلات الأخيرة المتعلقة بقرار قانون التقاعد، وتحديدا القرار بشأن تعديل قانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي، ومن هم بدرجة وزير والمحافظين، وقرار بشأن تعديل قانون التقاعد العام لمن هم بدرجة وزير”. وضجت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي الفلسطينية بانتقادات شديدة للسلطة الفلسطينية إثر الكشف عن المصادقة على قرار تعديل قانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي، وأعضاء الحكومة والمحافظين وتعديل قانون التقاعد العام، وهو ما وصفه البعض بـ”أكبر عملية لصوصية منذ تاريخ نشأة السلطة الفلسطينية في العام 1994”. وتقضي التعديلات بعدم دفع الوزراء ونواب المجلس التشريعي (منحل) رسوما على التقاعد، ليس ذلك فحسب حيث أن على صندوق التقاعد إعادة ما تم دفعه سابقا، مع ترفيع سن التقاعد إلى 65 بدلا من 60 سنة. وتزامن القراران مع قرار يلزم جميع الموظفين بالتبرع بقسم من رواتبهم لمواجهة وباء كورونا، اضطرت حكومة رئيس الوزراء محمد اشتيّة إلى التراجع عنه الأربعاء، بالإعلان أن الأمر اختياري وليس إجباريا. وتقول أوساط مقربة من الحكومة الفلسطينية إن الأخيرة لم تناقش مسألة التعديلات على قانون التقاعد، ما يعني أن القرار بشأنها اتخذ ضمن الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس والتي باتت تتحكم، وفق تلك الأوساط، في كل كبيرة وصغيرة، وتحاول تجيير نفوذها على الرئيس (84 عاما) خدمة لمصالحها الضيقة. وكانت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان “ديوان المظالم”، طالبت بوقف العمل بالقرارين فورا وإخضاعهما للمزيد من الدراسة والمشاورات مع الأطراف ذات الصلة كافة. محمد اشتية: عباس ألغى حزمة التعديلات المتعلقة بقرار قانون التقاعد محمد اشتية: عباس ألغى حزمة التعديلات المتعلقة بقرار قانون التقاعد واعتبرت نقابة المحامين الفلسطينيين أن القرارين المذكورين شكلا “صدمة مجتمعية لتناقضهما الجسيم مع متطلبات الحالة التي تستدعي التقشف” على إثر أزمة فايروس كورونا والأزمة المالية للسلطة الفلسطينية. وأصدرت الحكومة الفلسطينية قرارا في وقت سابق من الشهر الجاري بالعمل بميزانية طوارئ بسبب وباء كورونا وشح الإرادات، وشدد رئيس الوزراء اشتية على أن الأولوية في تلك الميزانية ستكون “الحفاظ على مساعدة الأسر المحتاجة، ودعم القطاع الصحي، وتوفير الرواتب واحتياجات الأمن”، وهو ما يتناقض والقرارين اللذين حاولت السلطة تمريرهما. وذكرت نقابة المحامين في بيان أن “القرارين يضيفان أعباء مالية غير مبررة للموازنة العامة لحساب فئة معينة دون مراعاة الواقع المعيشي والاقتصادي لباقي الفئات”. وأضافت أن ذلك “يأتي في سياق غير دستوري يخرق أبسط قواعد الصياغة التشريعية السليمة ويجرد القاعدة القانونية من محتواها السليم”. ويقول نشطاء فلسطينيون إن إلغاء الرئيس عباس التعديلات لن يعفيه من المسؤولية، وإن تلك التعديلات كشفت أن القرار الفلسطيني مختطف من قبل ثلة صغيرة تحيط بالرئيس، متسائلين ألم يكن الأجدى إقرار تلك الامتيازات لفائدة الموظفين الصغار والفئات الهشة التي تجد صعوبة في تأمين لقمة عيشها. ويرى النشطاء أن المحيطين بعباس يحاولون استغلال أزمة تفشي وباء كورونا والفوضى السائدة في الساحة الفلسطينية لتمرير أجندات وقرارات مشبوهة، محذرين من أن وجود هؤلاء لا يشكل فقط خطرا على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي، بل أيضا على القضية برمتها متسائلين كيف لهؤلاء أن يقارعوا الخطط الإسرائيلية للاستيلاء على أجزاء واسعة من الضفة الغربية. ووجه القيادي الفتحاوي وعضو اللجنة التنفيذية السابق زكريا الأغا، الأربعاء، انتقادات لحزمة التعديلات، وقال على حسابه الخاص على فيسبوك “قبل أسبوعين تقريبا صدر قرار للحكومة بالعمل بميزانية طوارئ، بسبب الظروف الراهنة التي يمر بها الوطن”. وأضاف “ثم نفاجأ قبل يومين بصدور قرارات بقوانين بزيادة رواتب العشرات من رؤساء الهيئات ومن هم بدرجة وزير والمحافظين، وأعضاء مجلس تشريعي وغيرهم من كبار الموظفين ومساواتهم بالوزراء، وبأثر رجعي رفع سن التقاعد لهم بخمس سنوات إضافية، مما يتناقض وميزانية الطوارئ، وأسباب اللجوء إليها”. وتساءل الأغا “هل نجد تفسيرا لهذا التناقض، رغم الاضطرار إلى إلغاء هذه القرارات بعد الضجة التي أحدثتها، وإذا كان هناك من وفرة في الميزانية تبرر ذلك، فلتتوقف أولا الإجراءات المتخذة بحق موظفي المحافظات الجنوبية من خصومات تتراوح ما بين 25 و50 في المئة منذ ما يزيد على ثلاث سنوات، ومساواتهم بزملائهم في المحافظات الشمالية، كما وعد رئيس الحكومة عند تشكيلها وتعاد لهم ما تم خصمه من رواتبهم بالتدريج”. ويقول محللون إن فوضى القرارات الصادرة من الحكومة والمجموعة المحيطة بعباس والتي تذهب حد التناقض اللا منطقي تشي بأن هناك انقساما في صلب السلطة، وهذا من شأنه أن يترك أثرا كبيرا على الوضع المتشظي بطبعه في الساحة الفلسطينية. ويلفت المحللون إلى أن اشتية الذي تشهد شعبيته ارتفاعا في الأوساط الفلسطينية على خلفية إدارته لأزمة كورونا، بات يثير غضب المحيطين بالرئيس ممن لديهم طموحات في خلافته، وهذه من الأسباب التي تقود إلى تمرير هكذا قرارات دون العودة إلى حكومته. وقال المحلل الإسرائيلي عوفر زالزبرغ من مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية “من الواضح أن اشتية ظهر أنه أبرز السياسيين الفلسطينيين منذ تفشي فايروس كورونا، من بين مجموعة يحتلون الواجهة السياسية منذ عهد الرئيس ياسر عرفات في تسعينات القرن الماضي”. ومحمد اشتية (62 عاما) سياسي وخبير اقتصادي وُلد في قرية تل في شمال الضفة الغربية. انتخب عضوا للجنة المركزية لحركة فتح عام 2009 وأعيد انتخابه في المؤتمر السابع عام 2016. وشغل مناصب وزارية عدة قبل أن يتقلد رئاسة الوزراء في 10 مارس 2019 خلفا لرامي الحمدالله.
مشاركة :