المملكة تحتاج إلى تطوير محتواها المحلي من الصناعات الصحية والغذائية بالاستثمار والدعم الحكومي، ويمكن الوصول إلى ذلك بإيجاد خزن استراتيجي يضمن عدم انقطاع إمدادات المواد الأساسية في أوقات الأزمات ولمدة سنة، بأقل تقدير، وأن يتم تأمين احتياجات الناس بشكل كامل من داخل الدولة، فأزمة كورونا كشفت عن نقاط ارتباك في استعدادات الدول لمواجهتها، وعن أهمية التفكير الاستراتيجي المستقبلي في توقع الأزمات، وفي العمل على تخفيف تأثيراتها السلبية قدر الإمكان. الكلام عن توطين الصحة والغذاء ليس ترفاً، فآخر الإحصاءات الأممية تشير إلى أن دول الخليج تستورد ما نسبته 83 في المئة من احتياجاتها الغذائية، وأنها تعتبر أضخم قوة شرائية للمواد الغذائية الأساسية في العالم، قياساً على عدد السكان، والمملكة استوردت في سنة 2018، ما يتجاوز 14 مليارا ومئتي مليون ريال من الأدوية والمستلزمات الصحية، وإنتاجها المحلي لا يقارن بالاستيراد، وتأمين المنتجات الحيوية في الظروف الصعبة بالاعتماد على الآخرين، ليس مضمونا وفيه مخاطرة كبيرة، فقد حدث أن منعت روسيا تصدير القمح، وتوقفت الهند عن تصدير الأرز، ورفضت أستراليا تصدير الشعير، وسادت قرصنة الكمامات والمعقمات وأجهزة التنفس بأوروبا في الفترة الحالية، وكلها تعرضت لمشكلات أجبرتها على هذا التصرف. تحقيق اختراق حقيقي في ملف الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في الغذاء والدواء، يتطلب مجهودات كبيرة، ولن ينجح إلا بشراكات ضخمة ما بين القطاعين العام والخاص، وبمنهجية تساعد على بناء مخزون استراتيجي يستطيع الصمود لسنوات طويلة، ولا بد من حماية نظامية ورقابة كاملة، تمنع كل أشكال الاحتكار أو الابتزاز أو المبالغة في الأسعار. الشيء الآخر الذي لا نريده هو أن تتحول الأزمة المحلية مع كورونا، من أزمة صحية إلى أزمة غذائية، وتكون الوفيات بسبب الجوع أكثر من وفيات المرض، فعدد الجياع في العالم، قبل كورونا، وصل إلى 980 مليون إنسان، والرقم مرشح لزيادة كبيرة في قادم الأيام وبمعدل الضعفين، ولا يستبعد دخول ثلث سكان العالم في دائرة الجوع القاتل، وبصورة غير مسبوقة في التاريخ الإنساني المعروف. الوفرة الغذائية والصحية في السوق السعودي ليست مهددة على المستوى المنظور، وفي المملكة أكبر مخزون غذائي في منطقة الشرق الأوسط، وتشغل الدولة السعودية المرتبة 30 في مؤشر الأمن الغذائي العالمي لسنة 2019، والمؤشر يضم 113 دولة، ويعتمد في تقييمه على معايير من بينها، سلامة الغذاء وتوفره وتكاليفه وجودته، وفيها 49 مصنع معقمات بطاقة إنتاجية تصل لما يزيد على مليون وسبع مئة ألف لتر من مواد التعقيم في الأسبوع، و8 مصانع كمامات تنتج في الأسبوع ثلاثة ملايين وسبع مئة ألف كمامة، إلا أن حسابات كورونا الجديد مختلفة، والتوقعات تشير إلى أنه سيؤدي لحدوث نقص حاد في الأغذية والأدوية، وسيبدأ بافتراس القارة السمراء، ومن ثم الدول العربية غير المستقرة كالعراق واليمن وسورية، وأعتقد أنه من المناسب أن نرفع من حجم الاستثمار المحلي في الصحة، وأن نعود أنفسنا على الالتزام بشراء الأساسيات وما نحتاجه، فالكمامة تحتاج إلى تغيير أو تعقيم كل نصف ساعة، وربما احتاج كل شخص إلى 36 كمامة في المتوسط، والأغذية المهدرة في المملكة تصل قيمتها إلى 40 مليار ريال سنوياً، وبمعدل إهدار للفرد الواحد يقترب من مئتي كيلوغرام في السنة. * نقلا عن "الرياض"
مشاركة :