«اللوحة الحروفية».. ذائقة بصرية تنميها المعرفة

  • 5/3/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: أوميد عبدالكريم إبراهيم تفرض «اللوحة الحروفية» نفسها كواحدة من أكثر اللوحات شيوعاً في المجتمعات العربية لما تعكسه من هوية عربية وإسلامية، وقد اعتاد الناس على رؤيتها في البيوت، والدوائر الرسمية، وفي كل مكان، إلا أن هناك مشكلة تكمن في عدم قدرة البعض على قراءة هذا النوع من اللوحات، لا سيما حين يضع الخطاط لمساته الخاصة عليها، والتي قد تكون صعبة الفهم بالنسبة لمن لا يمتلكون خلفية فنية تساعدهم على قراءة الفن قراءة معمقة، ما يطرح قضية تتعلق بكيفية تنمية ذائقة بصرية تجعل المتلقي يتمكن من قراءة اللوحة الحروفية.يُجمع عدد من الخطاطين الإماراتيين، والعرب، في استطلاع أجرته «الخليج»، على أهمية هذا الموضوع وضرورة إيجاد حلول ناجعة تمكن المتلقي من التعامل مع اللوحات الحروفية بكل يُسر، وسهولة، وأرجع عدد منهم سبب هذه الظاهرة إلى تداخل الحروف العربية مع بعضها بعضاً، فيما عزا آخرون السبب إلى الهدف من العمل الحروفي، وما الذي يريد الفنان أن يستعيض عنه باستخدام الحرف، أما بخصوص معالجة هذه المشكلة، فيرى عدد من الخطاطين أن من الضروري البدء بتلقين المتلقي منذ الصغر، أي ابتداءً من أيام المدرسة من خلال تلقينه فنون الخط العربي وبيان الفرق فيما بينها، في حين يؤكد عدد آخر أن المسؤولية تقع على عاتق الفنانين في المقام الأول بأن يوضحوا للمتلقي العناصر الجمالية في الحروف العربية، بانحناءاتها، واستقامتها، وإلى ماذا يرمز كل حرف، إلى جانب تنظيم دورات تدريبية في هذا الإطار. عناصر الجمال يقول خالد الجلاف، رئيس جمعية الإمارات لفنون الخط العربي والزخرفة الإسلامية: «إن أسباب عدم قدرة المتلقي على قراءة اللوحة الحروفية لها صلة بالهدف من العمل الحروفي، واستخدام الحرف نفسه، والذي يريد الفنان أن يستعيض عنه، فعادة يستعيض الفنان بالحرف عن الشخوص الذين يريد التعبير عنهم، مستغلاً الجمالية المتوفرة في تشريح الحرف نفسه، كما أن هناك من يضيف الحرف إلى اللوحة من باب إرضاء الهوية العربية والإسلامية، مثلاً، أو للإشارة إلى أن من أنجز هذه اللوحة هو فنان عربي، أي أن الحروف لا تكون معبرة عن كلمات بالضرورة، فعلى سبيل المثال الفنان عبدالقادر الريس يكثر من استخدام حرف الواو، وهذا الحرف له رمزية لديه يعرفها هو».ويضيف: على المتلقي أن يتعلم ماهية وعناصر جمال الحروف العربية، وهذا يقع على عاتق الفنانين في المقام الأول، بأن يوضحوا للمتلقي العناصر الجمالية في الحروف العربية، بانحناءاتها، واستقامتها، وإلى ماذا ترمز، فكل هذه الأمور يجب تلقينها للمتلقي، وإذا كان المتلقي على دراية بطبيعة الحرف العربي فسيتمكن من فهم اللوحة الحروفية بكل سهولة. تداخل الحروف تؤكد الفنانة والخطاطة الإماراتية ماجدة سليم، أن السبب في عدم قدرة المتلقي على قراءة اللوحة الحروفية هو تداخل الحروف العربية مع بعضها بعضاً، كما أنه ليس بالضرورة أن تضم اللوحة نصاً معيناً، فقد يكون بيت شعر متناثراً، أو حكمة، والإنسان العادي الذي لا يمتلك فكرة عن أنواع الخط العربي، وليس ملماً بها، سيواجه صعوبة في قراءة هذا النوع من اللوحات، ولن يتمكن من فك الحروف المتداخلة في اللوحة، كما لن يتمكن من معرفة الجمل المكتوبة، إن كانت شعراً، أو غير ذلك، ولكي نجعل المتلقي يتمكن من قراءة هذا النوع من اللوحات يجب البدء بتلقينه منذ الصغر، أي ابتداءً من أيام المدرسة من خلال تلقينه فنون الخط العربي، وبيان الفرق فيما بينها وأسباب مسمياتها ومن أين بدأت، إلى جانب الدورات التدريبية، فالخط العربي جزء من الهوية ويجب تنميتها. تفاعل كلاسيكي يتناول الخطاط د. محمد فاروق الحداد، الموضوع من زاوية أخرى، ويرى أن اللوحة الحروفية لا تنتمي للاتجاه الكلاسيكي، حيث يجتمع الرسم مع النص من دون التقيد بقواعد أيٍّ منهما، وهي تنتمي ل«التشكيل»، ومن هنا جاءت تسمية الفنان التشكيلي، فالحداثة بدأت بتقليد الغرب تقليداً أعمى، وإسقاطه على الواقع العربي، وهذا ليس نتاج تفاعل كلاسيكي فني حدث في الحركة الفنية العربية، وبالنسبة إلى عدم قدرة البعض على قراءة اللوحة الحروفية، فإن اللوحة قد لا تحتوي على نص بالضرورة، وإذا كان موجوداً فليس بالضرورة أن يكون مفهوماً، أو حتى صحيحاً من الناحية الإملائية.ويتابع الحداد قائلاً: لا يوجد التزام بقواعد الحروف وترتيبها، فضلاً عن أن بعض اللوحات بحد ذاتها غير مفهومة، أما معالجة مشكلة القراءة فتكمن خلال مراعاة التسلسل القرائي الصحيح في عملية التكوين الفني وتصميم العمل، وعدم تقديم الجانب الفني على الجانب اللغوي، وإذا راعى الخطاط هذه النقاط فإن كلمات اللوحة ستكون أكثر انسيابية في القراءة. أساسيات من جهته، يرى الفنان والخطاط محمد النوري، أن اللوحة الحروفية ذات شقين، الأول يعتمد على الأساس الكتابي للحرف، والثاني على الأساس القواعدي له، وهذا النوع من اللوحات بدأ في أربعينيات القرن الماضي، وقد استخدم فنانو ذلك الوقت الكتابة الاعتيادية مثل فكرة الرسم على الجدران على سبيل المثال، ولكن الخطاط الكلاسيكي لم يكن يتقبل فكرة إقحام الحرف في لوحة تشكيلية، كما أن هناك خطوطاً فنية، وأخرى وظيفية في الخط العربي، وبعض أنواع الخطوط من الصعب قراءتها بالنسبة إلى القارئ العادي، فضلاً عن المشاكل المتعلقة بالتعليم نفسه. ويستطرد النوري بالقول: بدأ الاهتمام مؤخراً بتنمية الذائقة الفنية والفلسفية للمتلقي، فأنا ممن يُدرّسون في أحد معاهد اللغة التي خرّجت أجيالاً، وحتى المتلقي نفسه بدأ بالاهتمام بالخط العربي، وهذا يسعدنا لأنه يصب في صملحة هذا الفن، وفي مصلحة الخط العربي نفسه، وهو ما لم يكن موجوداً من قبل، ولكن هذا الموضوع يحتاج إلى رعاية رسمية قبل الاهتمام الشعبي، من أجل بناء قاعدة قوية تفضي إلى تنمية ذائقة الجمهور.

مشاركة :