حمل عدد مجلة الهلال هذا الشهر "يونيو 2015" ملفاً بعنوان "صعود وانهيار دولة التلاوة في مصر" تضمَّن أربع مقالات على التوالي: "قارئات القرآن في مصر بين الحضور والمنع" لعصمت النمر -تعيد أي المقالة ما ذكر في كتاب "ألحان السماء" 1959 لمحمود السعدني وبعض ما ورد في تقارير صحفية- والمقالة الثانية "الشيخ محمد رفعت: سيد قراء الزمان" لنصير شمة، والثالثة تحمل عنوان الملف "قيام وانهيار دولة التلاوة في مصر" لنبيل حنفي محمود. وأما الرابعة "أربعة أسباب لتراجع مدرسة التلاوة المصرية لصالح الخليج" لياسمين فراج. وأعرض لعوامل وأسباب قيام وانهيار "دولة ألحان السماء" بحسب مقالتي محمود وفراج. حيث أتابع كل واحد منهما باختصاصه الكتابي في مجال فنون الآداء والأغنيات، ما بين التأريخ عند حنفي، والتحليل التقني عند فراج. ففي المقالة الثالثة لنبيل حنفي محمود -وهو من الباحثين المجلّين في تاريخ الغناء المصري كما ذكر- حيث أشار إلى قيام دولة التلاوة منذ نهايات القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين بظهور مجموعة من المواهب الكبيرة ثم بخدمة البث الإذاعي لنشرها وتعميمها ثم يورد أول عامل راجع إلى محسوبية لجنة اختبار القراء منذ عام 1953 التي توسع عدد أعضائها. وأما العامل الثاني هو استهتار الحضور المستمعين في عدم الاحترام والصمت أثناء تلاوة كلام الله -على أنه ناتج تربوي وسلوكي لا عامل- وأما ثالث العوامل في شقين: هو الاتهام المبطن الذي يشير إلى أن دولة التلاوة وقعت نتيجة الاستقطاب الديني السياسي الذي تورطت فيه بعض المذاهب الإسلامية والجماعات الإسلامية إما بالتحريض ضد المظاهر الثقافية لتاريخ علم القراءات القرآنية ومدارس التجويد وإما بالتعميم لقراءة قرآنية تتخلى عن مدارس التجويد في بعدها الجمالي والذوقي والتقني. ويختم بآخر عامل الذي يتصل بأول واحد إذ يدين وسائل التقنية التي يتاح فيها تداول تسجيلات قراء غير مجازين وبعضهم ينتمي إلى تلك الطريقة المتخلية طوعاً أو جهلاً عن البعد الجمالي والذوقي والتقني في التجويد القرآني. وأما المقالة الرابعة "أربعة أسباب لتراجع مدرسة التلاوة المصرية لصالح الخليج" لياسمين فراج، فهي بعد أن تشير إلى مدرستين فقهيتين: الأولى، تنسب إلى كل من الإمامين أبي حنيفة والشافعي شعارها الحديث النبوي بروايتيه: "زيِّنوا القرآن بأصواتكم" "النسائي"، والثاني "حسِّنوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً" "البخاري". وأما الثانية: فهي تتجه نحو "كراهة التغني بالقرآن" حسب تعبيرها يدعمها كل من مالك بن أنس وأحمد بن حنبل وأغلب من ينتمون إلى هذه المدرسة من مشايخ منطقة الخليج -بحسب تعبيرها أيضاً-. وتعدد أسباب تراجع مدرسة التلاوة المصرية أمام مدرسة التلاوة الخليجية الأول: هجرة المصريين الموقتة والتأثر الثقافي، والثاني: تراجع القوة الاقتصادية ترافق مع تراجع النمط الثقافي، والثالث: تصدر مؤسسات تعليمية إسلامية مقابل تراجع جامعة الأزهر عن دورها الاستقطابي في التعليم والمركزي في التأثير أو التقليد. والرابع: تآمر الوسائل الإعلامية كالقنوات الفضائية المتملكة من رجال أعمال في شهرة قراء عرب على حساب نظرائهم من مصر. ونكمل في الأسبوع المقبل..
مشاركة :