نحو كيان خليجي متماسك ورؤية استراتيجية جديدة (1)

  • 5/5/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

وحرصت على عدم الإفصاح عنه لفترة من الزمن من أجل استجلاء الحقيقة   عندما نتحدَّث عن (مجلس التعاون لدول الخليج العربية) فإننا نتحدَّث عن منظومة فريدة من نوعها من حيث التكوين المتناسق والمتماسك الذي يعكس وحدة اللحمة والدم والدين واللغة والأصل ووحدة الأهداف والمصير المشترك، إلا أن هذا الكيان الرائع التكوين والتجربة الوحدوية الوحيدة الناجحة في الوطن العربي تعرَّض لنكسة خطيرة في مسيرته نحو التكامل والاتحاد بعد أن ضربته عاصفة التغيير عام (2011م) وما تبعها من تداعيات خطيرة متتالية، وهو ما أدَّى إلى توتر العلاقات بين دول المجلس، خصوصًا بعد انكشاف المؤامرة التي حاكتها قطر ضد المملكة العربية السعودية مع الرئيس الليبي معمَّر القذافي خلال انعقاد القمة العربية في سِرت عام (2010م)، ووصول التسجيلات التي وثَّقت تلك المؤامرة إلى القيادة السعودية التي عمِلَت على احتواء الموضوع بهدوء وحرصت على عدم الإفصاح عنه لفترة من الزمن من أجل استجلاء الحقيقة من قطر، ما نتج عنه اتفاق الرياض (عام 2013م) والاتفاق التكميلي وآلياته التنفيذية (عام 2014م) والذين وقَّع عليهما أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون ومن بينهم أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وكانا يمهدان لفتح صفحة جديدة مع قطر ويؤسِّسان لمرتكزٍ قوي لدفع مسيرة مجلس التعاون والانطلاق بها نحو كيان خليجي جديد، إلا أنهما لم يصمدا طويلاً بعد وفاة المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز وتعمّد قطر عدم الالتزام بتعهداتها المفروضة عليها بموجبهما، حيث اعتبرت أن (اتفاق الرياض 2013م + 2014م) اتفاقًا منتهيًا بوفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، فأصبحت باقي الاتفاقيات الدفاعية والأمنية الخليجية -بالتالي- حبرًا على ورق، فتفاقمت الممارسات القطرية الخبيثة الهادفة إلى زعزعة أنظمة الحكم الخليجية المستقرة منذ مئات السنين، ما أدى في النهاية فقدان الثقة في النظام القطري الحالي وتفجّر أزمة تاريخية يوم (5 يونيو 2017م) بإعلان المملكة العربية والسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية قطع علاقاتها مع دولة قطر، لتتوَّج جميع مراحل التعقيد السياسي والأمني الذي تعيشه المنطقة منذ نجاح الثورة الخمينية عام (1979م). إن عودة الروح للعمل الخليجي المعطَّل منذ (يونيو 2017م) ممكنة في ولاية معالي الأمين العام للمجلس الدكتور نايف الحجرف، في حال استجابت قطر للمطالب الثلاثة عشر التي قُدِّمت إليها منذ (يونيو 2017م)، وهي مطالب ليست بجديدة بل مُضمَّنة في اتفاق الرياض والاتفاق التكميلي وآلياته التنفيذية، وستؤدي الاستجابة لها بلا أدنى شك إلى استكمال العمل الخليجي المشترك وتعميقه في المجالات الأمنية والدفاعية والاقتصادية والسياسية وغيرها. ولعل أهم الدوافع لتعميق العمل في تلك المجالات وجود رؤية شاملة لمعالجة الظروف والمستجدات الطارئة على مستويات ثلاثة، هي: أولاً: المستوى الوطني: يرتبط المتغير الاقتصادي بثلاثة ركائز هي: • الموارد الاقتصادية: وما يرتبط بها من مستويات التنمية. • الموارد البشرية: وما يتَّصل بها من ضرورة تعزيز الاستفادة منها للوفاء بمتطلبات وتطلعات أجيال المستقبل. • تكنولوجيا المعلومات والأمن السيبراني: الذي تطور بصورة مذهلة تستوجب مجاراة هذا السباق؛ لاستيعاب وتطبيق وتوطين المجالات العلمية والتكنولوجية القادمة. حيث تحيط بدول مجلس التعاون قوى إقليمية عربية وغير عربية تسعى لبناء علاقاتها معها بمختلف الطرق سواء القانونية أو غير القانونية، واستغلال التركيبة السكانية لمواطني دول المجلس لتحقيق أهدافها بالتدخل في شؤونها، ما دفع لتعرض العلاقات القائمة مع هذه الدول للتوتر وعدم الاستقرار، ووصلت إلى حَد المقاطعة السياسية رغم أهمية استمرارية هذه العلاقات واستقرارها واحترامها المتبادل لحماية مصالح كافة القوى في المنطقة، ومحافظة مجلس التعاون على استقلاله وتماسكه وتحقيق تطلعات مواطنيه. ثانيًا: المستوى العربي: تواجه دول مجلس التعاون تحديات عديدة من دول الجوار الإقليمي، لا بد من التعامل معها بإيجابية وفاعلية، كما الحال في: • العراق: الذي وقع تحت الهيمنة الإيرانية التامة وأصبح قاعدة لتدريب الإرهابيين من دول المجلس وإرسالهم لبلدانهم كقنابل موقوتة يتم تفجيرها عن بعد متى شاءت إيران، رغم مبادرة دول المجلس بفتح سفاراتها في بغداد وتعيين سفراء مقيمين فيها، رغم الأخطار المحدقة بهم بسبب انعدام الأمن، وعدم تمكن السلطات الحكومية من وقف تحرك بعض الميليشيات ضد السفارات الخليجية وطواقمها الدبلوماسية في المنطقة الخضراء في بغداد. • اليمن: الذي تحوَّل إلى جبهة قتالية أدت إلى حالة من عدم الاستقرار الأمني على الحدود الجنوبية السعودية، وتعرّض مدنها كالرياض للصواريخ بسبب الدعم الإيراني للحوثيين. • الأردن: الذي يعاني أوضاعًا داخلية واقتصادية صعبة. • جمهورية مصر العربية: وهي القوة العربية الرئيسة التي تشكِّل ركيزة مهمة للأمن في منطقة الخليج العربي، خاصة عندما تشابكت الظروف وتفاقمت التحديات والمخاطر التي واجهتها دول مجلس التعاون في العديد من مراحل تطورها السياسي والاجتماعي والثقافي، وقد أثبتت مصر مواقفها المؤيدة لدول مجلس التعاون في العديد من الأحداث كمطالبات العراق بالكويت في منتصف الخمسينات، والغزو العراقي للكويت في التسعينات، والمطالبات الإيرانية المتكررة بالبحرين، لذلك فإن عدم استقرار في مصر له انعكاسات مؤثرة على دول مجلس التعاون بحكم روابط المصير المشترك وثقل مصر الإقليمي والدولي، ولهذا وقفت معها دول المجلس وأعادتها إلى خطها القومي الصحيح بعد أن سرق الإخوان الشارع المصري عام (2011م). وأمام هذه الأوضاع المتشابكة والأخطار المحدقة بالخليج، فإنه لا بد من التفكير بناء شراكات استراتيجية متعددة مع القوى العربية المحيطة بدول مجلس التعاون، على أن تتنوَّع هذه الشراكات في مستواها وفقًا لحالة كل دولة من هذه الدول، لكي تتحوَّل إلى مصدر قوة وعمق استراتيجي لمجلس التعاون يبعد كل مصادر التهديد والتحديات والصراعات التي استنزفت أموالاً طائلة كان لها تأثيرها على الأوضاع الاجتماعية وتدنيها في دول المجلس وهذه الدول. من هنا، فإن التفكير بجدية في وجود برنامج سياسي واقتصادي وأمني ودفاعي مع مصر واليمن والعراق والأردن، وفقًا لظروف كل دولة، سيحقق مصالح الأطراف كافة. وللمقال بقية...   المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون

مشاركة :