نحو كيان خليجي جديد (1)

  • 8/6/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بعد مرور أكثر من عامين على الأزمة القطرية المؤسفة التي خَلقت حالة انقسام غير مسبوقة في المجتمع الخليجي، وبعد الانكماش الحاد في تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والتجاري المشترك، وبعد أن تمكَّن الخوف والقلق من قلوب مواطني مجلس التعاون على مستقبل هذه المنظومة التي طالما حلموا بانتقالها من (مرحلة التعاون) إلى (مرحلة الاتحاد)، كما اقترح ذلك المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في قمة الرياض في (ديسمبر 2011م)، تتجه الأنظار نحو القمة الخليجية المتوقعة في (ديسمبر 2019م) والتي ستشهد استحقاقات جديدة في مسيرة العمل الخليجي المشترك في مرحلة بالغة الحساسية نتيجة تدهور العلاقات الخليجية الخليجية وانعكاسات الأزمة المدمرة على وحدة مجلس التعاون، وغليان المنطقة بالمخاطر والتهديدات من كل جانب، وبعد أن أصبحت المصالح فوق كل الاعتبارات؛ تأكيداً للمقولة الخالدة لونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا إبّان الحرب العالمية الثانية بأنه «في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، هناك مصالح دائمة»..! فهل هناك بصيص من أمل بعودة المياه إلى مجاريها في منظومة مجلس التعاون بعد أن كثُر الحديث عن بوادر إصلاح ذات البين بين دول المجلس المقاطِعة وقطر وعودة الحياة للعمل الخليجي المجمَّد منذ أكثر من عامين؟ إن منظومة مجلس التعاون هي خط الدفاع الأول لدول المجلس وهي أساس استراتيجيتها الأمنية لما يربطها من علاقات خاصة وسمات مشتركة وأنظمة متشابهة وإيمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف؛ لذلك لابد من التركيز على هذه المنظومة والعمل على تعزيز مكانتها الإقليمية والدولية وحل المشاكل العالقة بين دولها وتعزيز وتعميق أطر الوحدة الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية بينها؛ نظراً للظروف المتغيرة والتحديات القائمة والتهديدات المستمرة والمستجدات الطارئة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية. فعلى المستوى الوطني تَتعدَّد المتغيرات خصوصاً المتغيرات الاقتصادية المرتبطة بثلاث ركائز رئيسية هي: 1. الموارد الاقتصادية وما يرتبط بها من مستويات التنمية المتفاوتة. 2. الموارد البشرية وضرورة الاستفادة منها للوفاء بتطلعات الأجيال القادمة. 3. التطور التكنولوجي الهائل وثورة المعلومات وأمن المعلومات ومواكبة تطوراتها الهائلة والمتسارعة وضرورة استيعابها وتوطين الخبرات المتعلقة بها. أما على المستوى الإقليمي فإن دول مجلس التعاون محاطة بدولٍ لها أطماع تاريخية خطيرة غير خفية عليها، وهي: 1. إيران: التي فرَضت مبدأ القوة في المنطقة وانقضَّت على الجزر الإماراتية الثلاث واحتلتها فور الانسحاب البريطاني من شرق السويس عام (1971م)، ورفضت المبادرات الحكيمة والواعية لحل القضية بشكل سلمي، وتدخلها المستمر في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون. 2. العراق: الذي يعتبر من مصادر الخطر والتهديد الدائم، والمستمر في تدخله في الشؤون الداخلية لدول الخليج من خلال خلاياه المنتشرة من عدن حتى المنامة والكويت، حتى كشَّر عن أنيابه واحتل دولة الكويت في (2 أغسطس 1990م) ليعيش بعدها في فساد وحالة فوضى سياسية وأمنية واقتصادية أليمة. 3. تركيا: التي يتغلغل تأثيرها من خلال أحزاب وجماعات داخلية متعددة تدين بالولاء التام لمبادئ الاخوان المسلمين. فيما تواجه دول مجلس التعاون على المستوى العربي قوى عربية متعددة تمثِّل مجموعة من التهديدات والتحديات كاليمن ومصر والأردن ولبنان وغزة بفلسطين لابد من التعامل معها بحزم وفاعلية؛ نظراً لعدم استقرارها وللمخاطر الاقتصادية والسياسية التى تعيشها داخلياً في مرحلة دقيقة من تطورها، وهذا يتطلَّب وجود استراتيجية أمنية دفاعية خليجية للحفاظ على استقلالية وتماسك دول مجلس التعاون؛ فالتعامل الإيجابي الفعَّال مع المحيط العربي ضرورة ملحة جداً لبناء جسور الثقة والتعاون القائم على شراكة استراتيجية متعددة في مستوياتها وفقاً لحالة كل دولة من هذه الدول حتى تكون مصدر قوة وعمق استراتيجي وليست مصدراً للتحدي والتهديدات. ومن هنا لابد أن تكون لمجلس التعاون رؤية واضحة لوضع برنامج للتعاون السياسي والاقتصادي والأمني والدفاعي للتعامل مع هذه الدول وفقاً لظروفها وبما يحقق مصالحها ومصالح مجلس التعاون في نفس الوقت، وذلك على غرار الخطوة المباركة التي اتخذها القادة بدعوة المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية بالدخول في مفاوضات موسَّعة لتهيئة الظروف المناسبة لانضمامهما إلى المجلس، حيث تشكِّل هذه الخطوة إضافة نوعية إلى قوة ودور دول مجلس التعاون في تحقيق استراتيجياته المستقبلية وتحقيق تطلعات شعوب المنطقة. فيما يظل التعامل مع القوى الدولية الكبرى ذات المصالح التاريخية والاستراتيجية في المنطقة من أهم المسائل التي تواجه منظومة مجلس التعاون، حيث تتفاوت دول مجلس التعاون في تحديد سياستها وعلاقاتها الثنائية مع هذه القوى لاعتبارات ومواقف متراوحة تتلخَّص أساساتها في ثلاث نقاط هي: ضمان الواردات النفطية والإصلاحات السياسية والتنمية البشرية. ففي حين ظلَّت السياسة الأمريكية إزاء المنطقة حتى عهد ليس ببعيد محكومة بالحاجة إلى ضمان الواردات النفطية بأسعار متدنية ووفقاً لما يقتضيه نموها الاقتصادي، فإن هجمات (سبتمبر 2001م) الإرهابية جعلت الإصلاحات السياسية والاجتماعية في دول مجلس التعاون أمراً ملحاً، لاعتبارها إجراءً مضاداً لانتشار الأفكار الراديكالية والإرهابية. وبينما تتفق القوى الكبرى الأخرى إلى حد بعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلَّق بالحاجة إلى تطبيق إصلاحات سياسية واقتصادية في المنطقة، والحاجة إلى ضمان أمن منطقة الشرق الأوسط واستقرارها، فإنّ لكل منها وجهة نظر حول الطريق المؤدية لتحقيق هذه الغاية، وكل منها قلقه إزاء الهيمنة الأمريكية على المنطقة والشروط التي وضعها الرئيس ترامب وطريقة الابتزاز السياسي التي تنتهجها الولايات المتحدة لتحقيق مصالحها القومية في منطقة الخليج العربي خاصة خلال الزيارات التي يقوم بها قادة دول مجلس التعاون إلى واشنطن. وفي ظل كلّ تلك الأوضاع الخطيرة والمستجدات الطارئة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية تعيش منطقة الخليج العربي، وهذا الأمر يتطلَّب -بلا أدنى شك- وقفة خليجية جادة وحاسمة لترتيب البيت الخليجي على أُسس جديدة وواضحة تتلاءم والظروف السائدة حالياً، حيث إن استقلالية كيان مجلس التعاون والإبقاء عليه متماسكاً قوياً والدفاع عن أمن واستقرار دوله وحماية مصالح ومكتسبات شعوبها سيُبقيه سداً منيعاً أمام الأخطار والتهديدات التي يموج فيها العالم.

مشاركة :